المراقب عضو شرفي
عدد المساهمات : 165 تاريخ التسجيل : 08/06/2009
| موضوع: مفهوم الحيادية في وسائل الإعلام السبت ديسمبر 04, 2010 2:32 am | |
| مفهوم الحيادية في وسائل الإعلام "الحيادية" منالمصطلحات اللصيقة بوسائل الإعلام (خاصة الإخبارية منها),و كثيراً ما يستخدمها أفراد الجمهور (بل و حتى الإعلاميين) عندما يودون أن يمتدحوا أو يذموا قناة تلفزيونية, إذاعية, أو صحفية. وبرأي الشخصي أن هذا المصطلح يُساءفهمه, ناهيك عن إستخدامه. ليس هناك شيء إسمه وسيلة إعلاميةمحايدة, أو خبر محايد, أو برنامج محايد, أو حتى إعلامي محايد. أعلم أن هذا القول قد يثيربعض التساؤل والإستغراب لدى بعض القراء, لكني سأحاول – بمعونةالله سبحانه- أن أبين وجهة نظري من خلال هذا المقال.
تعريف مصطلح"الحيادية" هذا المصطلح ببساطة - ودون الخوضفي تفصيلات قد لا تهمالقارئ العادي- تعني أن نشر المواد الإعلامية (خاصة الأخبار) يتم بكل حيادية و دون تدخل من مصدر هذه الرسالةالإعلامية و الذي قد يكون قناة تلفزيونية,إذاعية, صحيفة, تقرير إعلامي, برنامج حواري..إلخ. فعمل وسائل الإعلام و الإعلاميين (كما يقتضيه مفهوم الحيادية) يمكن تشبيههبعمل المرآة العاكسة. فوسائل الإعلامتنقل (و تعكس) الأحداث و الوقائع و الأخبار التي تحدث في العالم و تنقل وجهات النظر في القضايا المتنازع عليها بين الناس الشعوبدون تدخل من هذهالوسائل. الإعتماد على وكالاتالأنباء تعتمد وسائل الإعلامالمحلية والخارجية على وكالاتأنباء عالمية كمصادر للأخبار و الصور و الأفلام الأخبارية. و هناك أربع وكالات عالمية للأنباء في العالم تعتبر هيالمصدر الرئيس للأخبار لأغلب الصحفو المجلات و القنوات الإذاعية و التلفزيونية, و هذه الوكالات هي رويترز البريطانية, الفرنسية, الأسوشيتدبرس الأمريكية, ويونايتد برس إنترناشونال الأمريكية. و يعرف الباحثونالإعلاميون أن هذه الوكالات ليس محايدة في عملها من حيثطريقة توزيعها لمراسليها في العالم, طريقة تغطية الموضوعات و صياغتها, و من حيث ترتيب أولوياتها و أجندتها بالنسبة للأحداث و لمصالحدولها. و يكون معظم عمل محرري الأخبار في وسائل الإعلام الجماهيرية (صحافة,إذاعة, تليفزيون) هو "إختيار" الأخبار من هذه الوكالات العالمية و إعادة صياغتها (أونشرها كما وردت من المصدر), ثمإعادة بثها لجمهور هذه الوسيلة الإعلامية. و يقع في العالم يومياًمئاتالأحداث و الوقائع, لكنوكالات الأنباء العالمية و المحلية "تختار" أحداثاً و أخباراً ترى أنها مهمة لجمهورها و تركز عليها و تهملباقي الأحداث و الوقائع, و هذا يخدشمفهوم الحيادية. ثم يأت دور المحررين ومعدي النشرات الأخبارية لكي "يختاروا" من مجموعة الأخبار التي إختارتها وكالاتالأنباء العالمية, و يعيدوا صياغتها(إما تعديلاً, تغييراً, أو حذفاً), ثم يرسلوها إلى أفراد الجمهور. بل إن ترتيب الأخبار في النشرة الإذاعية و التلفزيونية, أومكان وضع الخبر في الصحيفة يقررهو يختاره الشخص المسؤول عن هذا الأمر. و كذلك طول مدة الخبر و مساحته و ما إذا كان مصاحباً بفيلم أو صورة, كل هذا يضعف مفهومالحيادية (إن لم يلغه بالكلية). إذن فعملية تغطية الأخبارو نقلها كلها إختيار في إختيار, و مادام هناكإختيار لشيء فهذا يعني إستبعاد أشياء أخرى, الأمر الذي يؤدي إلى إنتفاء مفهوم الحيادية من العملية الإخبارية كلها لأنه (كما معروف) أنالإختيار يخضع لمزاج, رأي, توجه,و خبرة المصدر الإخباري, و ما يختاره شخص ما , قد لا يوافق بالضرورة ما يختاره شخص آخر. التعامل مع البشر يلغيالحيادية إن طبيعة العمل الإعلامي (بكافة أشكاله و صوره) يعتمد على العنصر البشري بشكل كبيرفي تسيير أعماله, فلكي تغطيمظاهرة سلمية في مدينتك (على سبيل المثال) فأنت تحتاج إلى إرسال مصور فوتوغرافي أو مراسل تلفزيوني مع كاميرا لكي يغطي هذهالمظاهرة. إن الطريقة التي يقررفيها هذا المصور الصحفي أو التلفزيوني "إختيار" زاوية التصوير أو محتوى الصورة, أو الأشخاص الذين يقابلهم للحديث عن هذهالمظاهرة, كل هذا يلغي مفهوم الحياديةلأن الموضوع كله تمت تغطيته من وجهة نظر ذلك المراسل التلفزيوني, مما يعني إنه إختار أشياء معينة و ركز عليها بالصوت و الصورة, كماأنه يعني أيضاً أنه أهمل (أو غفلعن) أشياء أخرى لم يغطيها في تقريره الصحفي أو التلفزيوني. الإعلاميين بشر لهم إهتماماتهم, رغباتهم, آرائهم, أهوائهم, وتوجهاتهم الفكرية. هذه الأمور و غيرهاتشكل شخصيات الإعلاميين و طريقة ممارستهم للعمل الإعلامي. و هذا الأمر لا يعيب رجال الإعلام (كما لا يعيب غيرهم) لأن الإنسان لايستطيع التحكم بهذه الأمور. فممارسةإعلامي متدين تختلف عن ممارسة رجل ليبرالي, و طريقة تغطية الأخبار لمراسل مبتدئ تختلف عنها لطريقة إعلامي متمرس, و تعرض كاتب صحفيفي عموده اليومي لموضوع حساسليس مثل تعرضه لموضوع عادي. أقصد من وراء هذه الأمثلة البسيطة أن أشير إلى ذلك الكم الكبير من المتغيرات و العوامل و التي تحيط بالعملالإعلامي (أفراداً ومؤسسات). نفيينا للحيادية لا يعنيالكذب لكن هل يلزم من قولنا أنهذه الصحيفةغير محايدة, أو أن هذالقناة الإذاعية أو التفزيونية غير محايدة, أنها تمارس الكذب و الخداع و حجب الحقيقة على أفراد الجمهور؟ لا, ليسبالضرورة. فعندما ذكرت في بداية المقالأنه لا تلازم بين مفهوم الحيادية و بين العمل الإعلامي (خاصة الإخباري) لم أقصد أن وسائل الإعلام جميعها تفتقد المصداقية و الدقةفي نشر الأخبار (و أرجو ألا يُفهمهذا). الذي أقصده أن ليس هناك شيء إسمه حيادية ليس في العمل الإعلامي فحسب, بل حتى في حياتنا الشخصية! فعندما يأتيك إثنان منأصدقائك و بينهما سوء فهم و يطلبانمنك حل النزاع أو الإستماع إلى وجهتي نظرهما, فستجد أن كل طرف سيركز على "إثارة" و ذكر ما يهمه و "إهمال" أو إغفالبعض الأمور التي قد تكون من صالح الطرف الآخر,أو يذكرها بسرعة و بدون تفاصيل! هكذا الحال تماماً مع وسائل الإعلام. و عودة إلى سؤالنا السابق نقول أنه إذا إفترضنا أن مفهومالحيادية هو خط مستقيم يبدأ من صفرإلى عشرة نقاط, مع تسليمنا أنه لن يحرز أحدٌ ما (أفراداً أو وسيلة إعلامية) النقاط العشرة الكاملة (لإستحالة ذلك عقلاً وواقعاً) فإنتقييمنا لأداء أية وسيلة إعلاميةهو بعدد النقاط التي تحصل عليها من هذا النقاط العشرة. فنستطيع القول أن هذه الصحيفة لديها حيادية واحد من عشرة, و هذا الكاتبمحايد بدرجة خمسة, و تلك القناةالإذاعية تقترب من الثمانية نقاط و هكذا. كما أنه من الخطأ أن نطلقحكماعاماً على وسيلة إعلاميةبأنها محايدة أو غير محايدة بناء على خبر قرأناه أو شاهدناه.الصواب أن نحدد فنقول أن إذاعة صوت أمريكا (مثلاً) غير محايدة في طريقة تغطيتها للحرب على أفغانستان و القاعدة, لكن محايدةبدرجة كبيرة في طريقة عرضها لباقيالموضوعات. أو أن هذا الكاتب غير محايد في طريقة وجهات النظر في القضية الفلانية لأنها ضد توجهاته الفكرية, و نظرة سريعة لكتابالزوايا في الصحف الكويتية اليومية(مثلاً) أكبر دليل على ذلك. فقراءتي لإسم معين و حتى قبل البدء في قراءة المقال, أعرف جيداً ماالذي سيقوله هذا الكاتب في هذهالقضية و أعرف تماماً منطلقاته الفكرية.و هذا لا يعيب الكاتب أن يكون له رأي, لكن ما يعيب هو إدعاء الكاتب (أو القناة الإعلامية) أنه محايد في عرض فكرته أو أنه غطىجميع جوانب الموضوع بحيادية تامة. و قد يسأل سائل ( و هومحق في ذلك), من له الحق في التقييم أو إعطاء الدرجاتلهذه الوسيلة الإخبارية أو تلك؟ و لعل الإجابة فيها نوع من الطرافة و حيث إن تقييمنا لوسائل الإعلام الإخبارية ليس فيه حيادية أولا ينبع من أساس علمي مقبول.فنحن (أفراد الجمهور) نقيّم و نحكم على وسائل الإعلام بالحيادية و الصدق و النزاهة بناء على آرائنا و مواقفنا و توجهاتنا (وأحياناً على أمزجتنا و أهوائنا). فلأنيسمعت أبي يمدح إذاعة لندن (BBC) و صفها بالحيادية و الصدق, لذلك أحببتها و أصبحت أصدق ما تقوله دائماً, و الهدف من هذا المقال أنننتبه لما نسمع, نقرأ,أو نشاهد بعد هذا العرض يجب علينا–كجمهور- أن نتتبه لما نقرأ و نسمع و نشاهد لأنهليس بالضرورة أن يكون صحيحاً تماماً. يجب أن نفهم أن ما نقرأه, نسمعه, و نشاهده قد كتبه إنسان نقلاً عن إنسان, نقلاً عن إنسان(وقد تقصر أو تطول السلسلة الخبريةبحسب الخبر و الوسيلة), و في كل مرحلة من هذا المراحل يتعرض الخبر المرئي, المسموع, أو المقروء إلى التعديل, الإضافة, أو التشويهأو في أحسن الأحوال إلى التقصيرمما يعني تغييراً في طبيعة الخبر الأصلي. نحن لا نفترض سوء النيةعندالإعلامييين تماماًبالقدر الذي لا نفترض فيهم حسن النية لديهم جميعاً. يجب النظر دائماً لوسائل الإعلام (خاصة الإخبارية منها) على أنهابشر تحب و تكره, و لها إهتماماتهاو أولوياتها و مصالحها. إننا عندما ننظر لهذه الوسائل و نحكم عليها كما نحكم على الناس في حياتنا اليومية, فإننا –بالتالي- لننعطيها كامل ثقتنا, أو نصدق كل ماتنشره و تبثه علينا, تماماً كما نتعامل مع البشر. فنحن لا نصدق كل الناس, و لا نثق بكل الناس, و ليس هناك إنسان محايد تماماً, بليستحيل وجود هذاالشخص. لذلك من الأفضل دائماً أنننوع مصادرنا و مشاربنا الأخبارية حتى تتضح لنا الصورةالكبيرة. إن إعتماد الإنسان على مصدر إعلامي واحد لإستقاء المعلومات و الأخبار عن العالم يعتبر خطاً فادحاً يرتكبه كثير منالناس (بما فيهم الساسة و صناع القرار),لأن هذا المصدر سوف يعطيك الأخبار من وجهة نظره و مصلحته. تماماً كما حدث مع العميان العشرة الذين لم يروا فيلاً أبداً و طلبمنهم أن يصفوا الفيل بعدما تحسسوهبأيديهم, فشرع كل واحد منهم يصف الجزء الي لمسه و هو يظن أنه الفيل. فالذي لمس الذيل قال أن الفيل شيئ نحيف و يشبه الحبل, بينماقال الذي لمس البطن إن الفيل شيئضخم و يشبه الحائط! و هكذا حصلنا على أجوبة عشرة مختلفة! الجواب الصحيح هو بتركيب أقوال العميان العشرة فتتضح لنا صورة الفيلالحقيقية و الكاملة, و هذا بالضبطالذي يجب أن نفعله مع وسئال الإعلام الحالية, مع إقتناعي الشخصي بأننا وسط هذا العالم المتشابك المصالح و بإعتمادنا على وسائلالإعلام فقط لن نستطيع تجميع صورةحقيقية واحدة لنملة ناهيك عن الفيل. نقل للفائدة
| |
|