nasima عضو مجتهد
عدد المساهمات : 6 تاريخ التسجيل : 14/11/2010
| موضوع: الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة السبت ديسمبر 04, 2010 2:12 am | |
| الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة
صلاح الدين حافظ طغت السياسة بمعناهاالرسمي على الصحافة، واحتل السياسيونمقاعد الصحافيين، ففشلت السياسة في تلميع وجهها، وفشلت الصحافة في أداء رسالتها، وكانت الضحية هي الحرية التي بسبب نقصها أوغيابها، تراجع الاثنان، السياسةوالصحافة، على نحو ما نرى ونعرف كما في ظل حالة ملتبسة تبدو شديدة الخطورة، تترجم فكرة السلطة المطلقة. وعبر تطور الأحداث والعصور، انتقل التحكم في السياسة،والانفرادالمتتالي بالسلطة ونفيالآخر، أو على الأقل إضعافه واستنزاف قواه، إلى الصحافة بصورةكربونية، وعايشنا، على سبيل المثال، انفراد حزب أو زعيم بالسلطة مما نتج عنه تجميد مسؤولين وسياسيين ووزراء في مقاعدهم عشرات السنين. وفي المقابل، عايشنا صحافيين كباراً ورؤساء تحرير، تكلسوا في مناصبهم عددالسنين نفسه، من دون تغيير أو تطويربنفس نهج السياسيين والوزراء، فمن أين إذن يأتي الابتكار؟ وكيف يتحقق التطوير؟ بل كيف لا يتحقق النجاح لتحالف الفسادوالاستبداد الهاجم على الجميع؟ ولقد لعبت فكرة القائدالملهم والزعيم الأوحد، صانع السياسة وصاحب القراروحده، وهي فكرة استبدادية شيطانية، دورها في تحقيق نظرية الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة، وأطبقت هذه النظرية بالتالي علىكل مؤسسات الدولة والمجتمع، فيغياب الحرية والنظم الديمقراطية السليمة، التي تشارك وتحاسب وتعاقب وتعوق الانفراد بسلطة القرار السياسي، والانفراد بصياغة الرأيالعام وتوجيهه بواسطة الصحف ووسائلالإعلام الخاضعة للهيمنة الحكومية. وكان من نتائج هذه الحالةالمعاديةللديمقراطية، المتمسكةبالاستبداد السياسي والصحافي، إفراغ الحياة السياسية من القوىوالمنظمات والأحزاب، القادرة على المنافسة، من أفكارها وطموحها وكوادرها، وبالتالي انطبق الوضع على الصحافة، التي تم إفراغها عبرعقود من آرائها الحرة وسياساتهاالتحريرية المهنية والمستقلة وكواردها الموهوبة والمدربة. وأصبح الميدان فسيحاً لا رقابة عليه أمام المتحكم الأوحد والشلةالواحدة. وبقدر الإفقار المنظم للحياة السياسية وإفراغها من أجيال جديدة وشابة، تم نفسالإفقار المنظم للصحافة والإعلام،وحرمان أجيال متعددة من فرصتها في العمل والإبداع والترقي، فإذا بنا نوضع دائماً أمام “الخواء” في ظل احتكار المناصب والمواقعلمصلحة أفراد معدودين، انتهت مدةصلاحيتهم وتشعبت مصالحهم وأطماعهم، وإذا بنا نفاجأ في كل وقت بسؤال مستفز يقول: ومن البديل.. هل هناك بديل؟ والسؤال مستفز، فضلاً عنأوصاف أخرى أشد قسوة، لأنه يعنيأننا يجب أن نقبل بالوضع القائم في السياسة كما في الصحافة، وأن نقبل بنظرية “الرجل الضرورة” الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه ليس لهبديل، وهي نظرية نزلت من أعلىإلى أسفل، فسادت مجتمعاً عريقاً كبيراً ضخم السكان (75 مليوناً) مثل مصر، 65 في المائة منه تحت سن الثلاثين، ويرسل صباح كل يوم 19مليون طالب إلى المدارس، ويبنيباستمرار أجيالاً شابة متعلمة ومؤهلة تشغل كل المناصب، إن أخذت فرصتها. *** والحقيقة أن طغيانالسياسة على الصحافة بهذا الشكل، الذي أدى إلى تطويعهاوتدجينها، ليس قاصراً على مصر من دون غيرها من الدول الفقيرة والمتخلفة وغير الديمقراطية، لكنه نموذج شائع، كما أن هذا الطغيانليس وليد هذا العصر، ولكنه كانقائماً حتى في ما تسمى المرحلة الليبرالية المصرية الشهيرة، في ما بين 1920 و،1952 ولكنه للأمانة تزايد في ما بعد، وصولاً لحالةالالتباس والتشابك الراهنة بين السياسةالحكومية والصحافة والإعلام. فإذا كانت أحزاب المرحلةالليبراليةالمشار إليها تصدر صحفهاوتتحكم فيها، وتخضع توجهاتها التحريرية لسياساتها وأهدافها الحزبية، فإن تأميم (أو تنظيم) الثورة للصحافة عام ،1960قد أخضعها للتوجيه الحكومي وإلحاقهامن الناحية النظرية، على الأقل، بالمنظومة السياسية الرسمية، وصارت الصحف مملوكة وتابعة للتنظيم الواحد، الحزب الواحد، الاتحادالقومي، فالاتحاد الاشتراكي، فحزبمصر، فالحزب الوطني. وإذا كانت السنوات العشرالأخيرة، قد شهدت انفراجة ملحوظةفي صدور صحف خاصة ومستقلة جديدة، كسرت جدار الاحتكار السياسي الرسمي للصحافة (10 مؤسسات قومية كبرى)، تلازم معها إطلاق محطات إذاعةوتلفزيون خاصة، ناوشت الجهاز الإعلاميالرسمي الضخم، فإن الحقيقة الراهنة، تؤكد أن الدولة بكل ثقلها السياسي لا تزال محتكرة للفضاء الإذاعي والتلفزيوني الأكثر تأثيراًوجاذبية، ولا تزال مهيمنة علىالصحف القومية، التي تحتكر أكثر من 80 في المائة من سوق القراءة والتوزيع والطبع والإعلان. وهي بهذا تؤكد أن الدولةتحتمي دائماً بسلاحين نافذين، هما الأمنمن ناحية، والصحافة والإعلام من ناحية أخرى، لكنها تتجاهل في الوقت نفسه أن هذه الأوضاع الاحتكارية للسياسة والصحافة، قد أفرزتتجمداً في الأوضاع العامة، وأغلقتكل الطرق أمام مستقبل أجيال شابة، قادرة على التطوير والتغيير، وأطلقت العنان لحالة الإفساد المتبادل، فالسياسة، وتدخلالسياسيين، أفسدا الصحافة، والصحافيونالمحتكرون للمناصب المقربون للسلطة أفسدوا السياسة وأعاقوا الإصلاح الديموقراطي، بسيل النفاق ومدبجات الرياء، وتجاهل مصالحالمجتمع. ولذلك لم يكن غريباً أن يتجمد هؤلاء وأولئك في مناصبهم سنين عددا، وهمعلى ثقة كاملة بأن لا بديل لهم،وأن ضمان بقائهم يرتبط بمدى ولائهم لصاحب القرار وحده من دون سواه، وانظر كيف جرى، ويجري الحال في كل المناصب الوزارية والسياسيةوالصحافية والإعلامية. الكل يتحركوفقاً للتوجيهات، ويكتب طبقاً للتعليمات، أما حين تجيء لحظة التغيير، لسبب يحدده صاحب القرار، مثلاً يحدد توقيت تنفيذه، فالظلالكئيب والتجاهل الكامل ينتظر صاحبالحظ السعيد، أما نقيضه صاحب الحظ السيئ، أو المغضوب عليه، فالهلاك مصيره، مع مزيد من التشنيع والتجريح والاتهام بالفساد والاستبداد. ولم يكن غريباً، أيضاً، أن يفقد المواطنون الثقة بمثل هذه القيادات الوزاريةوالسياسية، وأن يعبروا عن ذلك أصدقتعبير، على سبيل المثال، بعدم المشاركة في الانتخابات، وتدني نسبة التصويت إلى أقل من 10 في المائة في معظم الحالات، وألا يسألوا لماذاذهب هذا الوزير ولماذا فقد هذاالنائب مكانه في قائمة الحزب الحاكم، لأنهم لم يعرفوا منذ البداية، لماذا جاء هذا، وعلى أي أساس أو كفاءة نجح ذاك. ونفس المنطق ينطبق علىقادة الصحافةورؤساء التحرير المعينين،أصحاب السلطة المطلقة، لم يعد الرأي العام القارئ والمتابع،يهتم بمن جاء وبمن ذهب، فالكل سواء، والقرار السياسي، وليس المهني، هو المرجع النافذ، طالما أن الرأي العام ليس هو مصدرالشرعية والمصداقية، كما يحدث في صحفالنظم الديموقراطية. ولم يكن الرأي العام وحدهالذي فقد الثقة سواء بالعملية السياسية،أو بالصحافة، بعد أن تبادلا الإفساد المنظم، بل إن مسؤولين كباراً طالما عبروا عن شيء من هذا القبيل، وانظر على سبيل المثال، كيفيتعامل وزير ضليع فيالحكومة مع الصحافة، لأنمفهومه لرسالتها غائب، بل هو ينظر إليها كما ينظر إلى شركة خاسرة أو مصنع يعاني من إضراب عماله، إذن فالحل هو البيع. على الجانب الآخر، انظر إلى مسؤول آخر كيف يغضب ويثور لأن صحيفة انتقدت بعضسياساته، ويتساءل: كيف تفعلذلك، أليست هذه الصحافة “تبعنا”؟ وما بين سياسة البيعوسياسة التبعية،تتعمق أزمة الصحافةالمصرية، ويزداد فقدانها للثقة والمصداقية ويتراجع قراؤها، وتحبط كوادرها، وتتدهور قيمتها وتقاليدها المهنية، وتفقدحتى هامش الحرية المحدود الذيتتمتع به، لأن الساسة والمسؤولين الغاضبين منها، وعليها، يتحفزون للانقضاض على هذه الهامش، تقييداً وتكبيلاً، ولأن قادة الصحافة أنفسهمانصرفوا إلى اهتمامات ومصالحأخرى. وفي هذا المناخ الضبابي،الذي طغت فيه السياسة والسلطة على الصحافة،وانجرفت فيه الصحافة في منحدر التبعية والانسياق والخضوع للسلطة، كان طبيعياً أن ينجح تحالف الفساد والاستبداد، في غزوالاثنين معا، السياسة والصحافة، وأنيخلق حالة غريبة من عدم التوازن، بل من غياب الحرية بمفهومها الواضح، ناهيك عن المحاسبة والمساءلة والمراقبة. وفي هذا المناخ الضبابيالملتبس كان طبيعياًأيضاً، بعد أن اخترقت فيهالسياسة والسلطة الصحافة، حتى أفرغتاها وأضعفتاها وحوّلتاهاإلى مجرد بوق دعائي، أن تهجم الاختراقات الأجنبية لتقدم البديل المستورد، مسلحة بالتمويل المنساب والأفكار الجاذبة والتكنولوجياالحديثة، لتصدر صحفاً براقة وتطلقفضائيات جذابة، تكتب وتنتقد وتتحدث وتتحاور حول أمورنا بحرية يفتقدها الرأي العام، في صحفه وإعلامه، فيهجرها من دون أسف. لقد آن الأوان، في ظل كلذلك، أننعيد تحديد العلاقة بينالصحافة والسلطة بعد كل ما جرى ويجري. صحيفة الخليج الإماراتية
| |
|