الصحافة والإثارة
تلجأ بعض الصحف إلي الإثارة في طرح بعض القضايا التي تهم القاريء، وتتعلق بأمور حياته من قريب أو بعيد، وبعض هذه الصحف لا تكتفي بذلك بل تحرض كتابها علي انتهاج هذا المسلك، الذي ينظر إليه الكثيرون بشيء غير قليل من عدم الارتياح، وقد وجد بعض الكتاب المغرمين بالإثارة ضالتهم في هذه الصحف لينفسوا عن عقدهم وأزماتهم النفسية، وما قد يعتريهم من مشاعر العداء للآخرين، تصريحا أو تلميحا ، مع أن ذلك التصريح أو هذا التلميح لا يأتيان من باب الشجاعة الأدبية، ولكن من باب التطاول في الحالة الأولي، ومن باب المراوغة في الحالة الثانية ، ومصيبة هذا النوع من الصحف أو من الكتاب أنهم يتجاهلون وعي القاريء، وقدرته علي التمييز بين الغث والسمين.. بين البحث عن الحقيقة أو التجني عليها دون وجه حق، والمصيبة الأخري أنهم يظنون أن هذا الأسلوب هو الأفضل لتحقيق معدلات أكبر في التوزيع، وهذا الاعتقاد لم يعد يملك القدرة علي الصمود أمام نمو الوعي لدي القاريء، وهو اعتقاد كان سائدا في أوربا قبل نصف قرن من الزمان، ولا تزال البقية الباقية من تلك الصحف تصارع من أجل البقاء في الشوارع الخلفية لعالم الصحافة، بعد أن فقد القراء ثقتهم بها، وانصرف عنها القراء إلي غير رجعة.
ومن حسنات الصحافة أن تظل بمنأي عن الوقوع في مزالق الإثارة، إدراكا منها بأهمية الرسالة الصحفية، وما تفرضه من المحافظة علي قدسية الكلمة، وشرف المهنة، واحتراما منها لوعي القاريء، الذي لا تنطلي عليه أساليب الإثارة وطرقها المعوجة، ومثل هذه الإثارة وإن استحوذت علي اهتمام فئة قليلة من القراء، لكنها في نظر الكثيرين أقل من أن يلتفت إليها، وإذا حظيت بأي اهتمام، فهو الاهتمام الذي يستنكر مثل هذه الأساليب الغريبة في الطرح، ويتضح ذلك من كثرة الردود التي تتعرض لكل من يتجاوز المألوف في الكتابة الصحفية الرزينة، حتي وإن لجأ الكاتب إلي الرمز ظنا منه أن القاريء لا يعرف ما وراء هذا الرمز من نوايا سيئة لا يمكن أن تخفي علي فطنة القاريء.
ومن مظاهر الإثارة الصحفية أن تركز الصحيفة علي مؤسسة ما، أو بلد ما، أو دولة ما، لتظهر عيوبها وتبرز ما يحدث فيها من أخطاء، وهي تعلم تمام العلم أن هذه الأخطاء تحدث في كل بلاد العالم، لكن لغاية في نفس يعقوب يتم التركيز علي تلك المؤسسة أو البلد أو الدولة، وكأن غيرها خال من العيوب والأخطاء، مع أن هذه العيوب والأخطاء هي من طبيعة البشر أينما وجدوا وفي أي أرض حلوا.
المحزن أن تظهر مثل هذه الأساليب في بعض الصحف العربية التي يظن أصحابها أنهم بذلك يكسبون ود القاريء بمثل هذا التملق، وهم بذلك يخطئون، لكنهم يتجاهلون أو هم لا يعلمون، وهذه هي المصيبة لو كانوا يدركون، والله المستعان علي ما يكتبون.
خليل إبراهيم الفزيع