وسط سحب الحرب والتضليل الإعلامي:
مراقبة الإعلام.. كيف تبطل سحر الآلة الإعلامية؟
المراقبة الإعلامية تواجه حالة الاستلاب أمام وسائل الإعلام
داليا يوسف**
الجريدة الصباحية التي تتصفحها يوميا قد تحمل ما يتفق أو يختلف مع قيمك وقناعتك، وأحيانا مع جانب من الحقائق التي تدركها، وقد يأتي ذلك في أشكال مختلفة مباشرة (في مقال رأي أو تحليل أو...)، أو بشكل غير مباشر (في إعلان أو تعليق على صورة أو...). البرنامج الإذاعي أو التلفزيوني الذي تتعرض له قد يمثل الأمر نفسه؛ فهل فكرت في التفاعل بشكل مختلف مع هذه المتابعات حتى تعدل من أداء الوسائل الإعلامية المختلفة؟!
هذا جانب أصيل مما تقدمه تجارب كثيرة، منها تجربة "شبكة التقرير الإعلامي"Media Review Network، وهي التجربة التي تعرفنا عليها في جنوب أفريقيا، والتي أنعش ذاكرتي ودفعني للكتابة عنها بيان الصحفيين المصريين الذي صدر مؤخرا احتجاجا على التغطية الإعلامية للحرب ضد العراق في جريدة الأهرام، والجدل الذي ثار -رغم حرج اللحظة التي نمر بها- حول تغطية بعض الصحف الرسمية والقنوات الفضائية، بما يدفع للتحليل والمراجعة.
وتجربة "شبكة التقرير الإعلامي" MRN باختصار تتعامل مع ما يعرف "بالمراقبة الإعلامية".. التي ربما تفرضها اللحظة التي نعيشها مع غيرها من تجارب يمكن أن تجعلنا أكثر قدرة على التأثير، وهو ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضى.
لقد ذكر أحد الخبراء الإعلاميين أنه يجب اعتبار الإعلام والاتصال "كوسيلة للتغيير قابلة للتغيير".. ماذا يعني ذلك؟!
يعني أن الإعلام والاتصال.. هذا القطاع الهائل له قدرة فائقة على تشكيل الوعي وإدارة المواقف، بل إن البعض قال: "إن الاتصال بات من أدوات الصراع فيما بين الدول، ناقلا لعناصر القوة في الدول وعاكسا لها"، هذه القدرة الفائقة على التأثير يمكن التعامل معها والتأثير فيها إذا ما أخلت بالدقة والموضوعية، أو أضرت بمصالح وقيم البعض؛ وهو ما يمكن أن يحدث إذا ما قرر هؤلاء المتضررون أن يؤثروا في المعالجة والتغطية، ويكونوا شركاء فاعلين في الرسالة الإعلامية التي تصلهم.
يستطيع كل منا أن يصبح مثل أبطال الروايات الأسطورية، ويبطل مفعول الساحرات، ويحرر البشر.. يحررهم من سحر الآلة الإعلامية التقليدية التي قد تصل إلى درجة من السيطرة تسلبنا القدرة على الفهم والتحليل.. بل تمنعنا من الوصول إلى معلومات صحيحة في بعض الأحيان؛ لنظل مستلقين أمامها نتلقى يوما بعد يوم الرسائل باتجاه واحد غير عابئين بما تحدثه هذه الرسائل من تغيير في تصوراتنا ومفاهيمنا عن أنفسنا وعن الآخرين، بل إننا أحيانا لا نلتفت إلى قدرتها على تهديد مصالحنا.
وهنا تبرز التجربة لتقول: إنه يمكننا ممارسة هذه المراقبة لوسائل الإعلام.. ليس بالمعنى المعهود المقيد للحريات، وإنما بما يفترض من تفعيل لدورنا كمتابعين وينقلنا من التلقي السلبي إلى التلقي الإيجابي وبما يراعي المصالح ويحافظ على القيم.
الدخول إلى التجربة
مكتب بإحدى البنايات الصغيرة في بريتوريا بجنوب أفريقيا ما إن تدخل إليه حتى يستلفت نظرك الكم الكبير من الملصقات والمعلقات التي ضمت رسوما كاريكاتورية.. مقالات.. تعليقات أغلبها متعلق بالقضية الفلسطينية، وبالعقوبات المفروضة على العراق (الآن حرب مفروضة عليها)، وبوضع المسلمين في جنوب أفريقيا... وقضايا أخرى عديدة عن العدالة الدولية.. عدد كبير من شرائط الكاسيت والفيديو للقاءات تلفزيونية ومؤتمرات عامة.. عدد من أجهزة الكمبيوتر.. خزانة ممتلئة بكتب عديدة من تجارب التحرر الوطني إلى مقارنة الأديان.. فريق من العاملين عدده محدود، لكنه يملك وجوهًا تحمل قدرا عاليا من الود ونبرات صوت تمتلئ حماسة..
كان هذا هو مكتب "شبكة التقرير الإعلامي" Media Review Network "أكثر من مليون مسلم يعيشون في جنوب أفريقيا، في الماضي -وبشكل مستمر- كان الإعلام يرسم صورتنا: من نحن؟ وماذا نمثل؟ ليقدمها للمجتمع بجنوب أفريقيا، وبذلك ففي كثير من الأحيان تعرضت آراؤنا ومواقفنا السياسية بل مصالحنا الإستراتيجية للتجاهل أو للتشويه.. إننا في شبكة التقرير الإعلامي وعبر عدد من الأفراد بالتعاون مع بعض مراكز البحث نعتقد أنه من الضروري وسط التغير السياسي والاجتماعي المتلاحق في جنوب أفريقيا ألا تتوه حقيقة الإسلام وسط تلميحات غير دقيقة أو تجاهل.. وكمسلمين فإننا نحتاج إلى أن نعرض آراءنا ووجهات نظرنا بشكل يومي وبإيقاع منتظم روتيني وليس كاستثناء، وطموحنا أن نبدد الأساطير والقوالب عن الإسلام والمسلمين، وأن نبني جسورا للتفاهم. إن حضورا دائما لوجهة نظر المسلمين في القضايا المؤثرة بجنوب أفريقيا شرط لفهم وتقدير أكبر للإسلام".
كانت هذه هي مقدمة التعريف بالشبكة.. فالتحدي الذي يواجه المسلمين بجنوب أفريقيا يتمثل في كونهم أقلية (ساهمت في النضال والتحرر الوطني بما أكسبها ثقلا واحتراما) قد يسلمها الاعتماد على الصورة التي يقدمها الإعلام لهم إلى سوء الفهم أو التهميش، وبينما نجح المسلمون هناك في إيجاد بنية تحتية قوية من المؤسسات والمساجد والمدارس؛ فقد بقيت الحاجة إلى ما يواجه التحديات التي يمثلها النظام الإعلامي المعقد.
المزيد عن الأهداف
إحدى رسوم الكاركتير على موقع شبكة التقرير الإعلامي
"نعم.. إننا نهدف إلى مراقبة وتحليل، وأحيانا تصحيح التشويهات المتعلقة بالإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام، وهذا التقرير الإعلامي الذي تتخذ الشبكة منه اسما لها.. قد يأخذ شكل التقارير الدورية إلى المؤسسات الإعلامية في جنوب أفريقيا أو الشكاوى والرسائل بشكل مباشر إلى الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون".
هذا ما أجاب به "إقبال جازت" رئيس شبكة التقرير الإعلامي MRN حينما سألته عما تصدره الشبكة من تقارير وتعليقات.
ربما كانت هذه هي الأجواء والدوافع لتجربة "شبكة التقرير الإعلامي" بما دفعهم للتركيز على التغطيات والصور الإعلامية التي تقدم للإسلام والمسلمين، ومواجهة ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا" أو "الرهاب من الإسلام"، سواء ما يتعلق بالشأن المحلي وشئون الأقلية المسلمة هناك أو معالجة القضايا ذات البعد الدولي، مثل القضية الفلسطينية أو الأزمة العراقية أو كشمير أو... بتقاطعها مع رسم صورة الإسلام والمسلمين.
وبالطبع فقد يرى البعض أنها أجواء تتسم بخصوصية الوضع هناك في جنوب أفريقيا؛ فماذا عن التكنيك والوسائل التي تستخدمها "شبكة التقرير الإعلامي"، التي يمكننا الاستفادة المباشرة منها.. كل وفق ظروفه وقضاياه التي تستوجب المتابعة!
تحول إلى مراقب
المجموعة التي تعمل في الشبكة -وهم من خلفيات ومهن مختلفة- تراقب الصحف اليومية والأسبوعية في مكتبها، محددة قضيتها ومتتبعة أشكال معالجتها.. كما قاموا بتشكيل شبكة من المتابعين للبرامج الإذاعية والبرامج الإخبارية والتلفزيونية والأفلام الوثائقية والتسجيلية، مع تشجيع العامة والمتخصصين للاستجابة مباشرة للتعليق على برامج الإذاعة والمقالات الصحفية.
ويقول إقبال جازت: إن الاتصالات الشخصية مع الشخصيات المحورية -على سبيل المثال من مقدمي وأشهر الضيوف في البرامج التلفزيونية والإذاعية.. والمحررين والصحفيين- تقيم شبكة قوية ندعمها بالقراءات والمواد والمعلومات اللازمة.. ويكمل جازت: أستطيع أن أصف هذه الشبكة بأنها غير رسمية، وبأنها تؤكد قيم الصداقة وبناء الثقة بين الجميع.
تتعدى أنشطة الشبكة في هذا الشأن إلى المشاركة في البرامج الإذاعية والتلفزيونية (اللقاءات والمناظرات)، وترتيب برامج تلفزيونية للناشطين والمتحدثين محليا ودوليا، وإصدار البيانات الصحفية.. ومن جانب آخر تقوم الشبكة بتكوين ما يمكن أن نطلق عليه "جماعات الضغط الإعلامي" Lobbying؛ وذلك بتأسيس مراسلات مع الإدارات الحكومية، والجماعات الطلابية، وجمعيات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والمؤسسات الإعلامية الأخرى. ويتم إعلام هذه الأطراف وإمدادها بتحليلات وتقارير الشبكة عن الأحداث الجارية والأوضاع السياسية والقضايا الساخنة مثل فلسطين والعراق.
شبكة مراقبة في كل مكان
"شبكة التقرير الإعلامي" لم تكتفِ بعرض تجربتها، وإنما حاولت نشرها وتصديرها؛ فتحت عنوان "كيف يمكنك أن تؤسس "شبكة تقرير إعلامي" في منطقتك؟" جاءت الخطوات التالية:
1- كون مجموعة مهتمين من الأفراد أو الطلاب أو...
2- اقرأ جريدة أو اثنتين، ودقق النظر في المعلومات التي تحمل نزعة ضد الإسلام -بالطبع يمكن أن تحل أي قضية أخرى تهتم بها محل "الإسلامفوبيا"- ويمكن ذلك عبر متابعة كلمات مفتاحية لنشر صور ذهنية سلبية وقوالب جامدة مثل: "الأصوليين، المتطرفين، الإرهابيين، قهر المرأة..."، وهذه الكلمات تعطي دلالة على التحيز.
3- اجعل نفسك على دراية بحقائق قضايا محيطة وملحة بمتابعتك الأساسية؛ وهو ما يعني هنا قضايا مثل: القضية الفلسطينية، كشمير، أفغانستان...
4- قم بزيارة المواقع الإلكترونية التي تحمل مشاريع مماثلة.
5- حاول الاستجابة للمقالات التي تسيء إلى فكرتك، ولتكن هذه الاستجابة مؤسسة على معرفة.
6- استحضر الآية الكريمة: {ادعُ إلى سبيلِ ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وذلك قبل أن تتوجه بالاتصال أو مخاطبة أي من رؤساء التحرير أو المسئولين الإعلاميين لتخاطبه بعد ذلك بالأدب والحزم في آنٍ واحد لتعديل الخطأ أو الإساءة.
7- هاتف الإذاعة أو التلفزيون إذا توفرت لديك المعرفة عن القضايا التي تتم مناقشتها.
8- أرسل فاكسا أو رسالة إلكترونية لمراسلي "شبكة التقرير الإعلامي" للدعم والتوثيق والتشبيك.
9- ادفع الآخرين في محيطك وفي المدارس لفحص المجلات والجرائد، وإرشادهم لمتابعة قضايا الإسلامفوبيا (أو أي من القضايا الأخرى التي تعنى بمتابعتها).
10 - إن التكلفة والمتطلبات لهذه المهمة لا تشكل الكثير: جرائد.. فاكس.. جهاز كمبيوتر واتصال بشبكة الإنترنت.
كانت هذه هي الخطوات التي اقترحها نشطاء "شبكة المراقبة الإعلامية" لتكرار التجربة، وحينما سألت "جازت" عما نحتاجه حقا لتحقيق أهداف هذه التجربة، قال: "تحتاجون إلى جماعة من المهتمين والمؤمنين حقا بالفكرة، ثم مكان (مكتب) للمتابعة.. وكلما تمت الممارسة ازدادت المعرفة بالعوامل المؤثرة في صناعة الميديا".
ماذا عنا؟
مراقبة الإعلام كوسيلة للتغيير والتطوير بدأت تظهر لها نماذج قوية -رغم قلتها- على الصعيد العربي بما يجعلها أكثر تماسكا وتأثيرا من مجرد الاعتراض أو التعقيب على معالجة إعلامية بالإرسال في مساهمات الزائرين أو بريد إحدى الصحف. واللافت للنظر أن تتعدد القضايا التي يمكن مراقبتها بدءًا من الشأن الاجتماعي الأخلاقي، مثل تجربة المجموعة الإلكترونية التي تابعت، وضغطت لوقف إعلان "إيزي موزو"، الذي استفز الكثيرين، مروراً بقضايا تتعلق بالشأن السياسي والأمن العربي، مثل طبيعة التغطية التي قامت بها "الأهرام" (خاصة في الأيام الأولى للعدوان على العراق)؛ وهو ما دفع عددا من الصحفيين إلى مراجعة جريدة الأهرام في البيان الذي أصدروه.
وإذا كان هذا البيان قد أعده مهنيون محترفون؛ فإن عددا من المشاهدين قد تابعوا وراقبوا القضية نفسها، واستفزتهم إحدى حلقات برنامج "ماسبيرو" الذي يُعرض على القناة الأولى بالتلفزيون المصري في حلقة خصصت عن العدوان على العراق، ومناقشة أشكال مواجهته، وكان الضيوف حديثهم مخيبا للآمال، ومناقضا للرأي العام العربي بما دفع عددا من المشاهدين لإرسال رسالة إلى البرنامج، وتم وضعها على موقع petition online لجمع التوقيعات عليها، وانتهاءً بقضية محورية كبرى، مثل "القضية الفلسطينية" التي خصص عدد كبير من جماعات الاهتمام مواقع لمراقبة المعالجة الإعلامية للقضية؛ ليأتي أغلبها باللغة الإنجليزية مراقبا لوسائل الإعلام الغربية في هذا الصدد، ومنها: Palestinian monitor
هذه التجارب جميعها تحتاج إلى الدعم والتطوير؛ فإلى هؤلاء جميعا وإلى كل مهتم نُهدي ترجمة عربية لكيفية بناء مشروع للمراقبة الإعلامية تحت عنوان "كيف تؤثر في الصحافة؟" How to impress the press.
يمكنهم الاطلاع عليه والتعديل وفقا للظرف والقضية (شأن اجتماعي، أخلاقي، سياسي، اقتصادي، صحي...)، وللوسيلة التي يتم متابعتها (إعلام محلي، أجنبي أو إعلام مرئي، مسموع، مكتوب...) وللأداة المستخدمة في المراقبة (الرسائل البريدية، الإلكترونية، الاتصال التليفوني، الزيارة الشخصية...).. يمكننا هنا أن نتبادل الخبرات مع الجميع، وأن نفتح أعيننا وآذاننا على التجارب المختلفة؛ فلنبدأ..