الصحف المجانية تتهاوى وسط الأزمة الاقتصادية -
انخفضت نسبة توزيعها في أوروبا بنسبة 10%.. وأغلقت العشرات منها
نيويورك: إيريك بفانر*
باريس.. لقد انفجرت فقاعة أخرى. ولكن بدلا من أسهم تكنولوجيا المعلومات أو الأوراق المالية المتعلقة بالقروض، تتضمن هذه الفقاعة نوعا مختلفا تماما، إنها الصحف المجانية.
بدءا من استوكهولم في عام 1995 من خلال صحيفة يومية تسمى «مترو»، انتشرت الصحف المجانية في المدن حول العالم، لتقدم لوسائل الإعلام المطبوعة المتعثرة قصة تطور نادرة. ولكن في العام الماضي، قفز التوزيع اليومي للصحف المجانية لما يزيد على 40 مليون نسخة حول العالم، وفقا لبيت باكر، في أمستردام، والذي يعمل على رصد هذه الصناعة. وفي بعض الدول، مثل إسبانيا، أصبح كثير من الناس يقرأون الصحف المجانية أكثر من الصحف مدفوعة القيمة.
ولكن منذ وقوع الأزمة الاقتصادية في الخريف الماضي، بدأت الصحف المجانية تشهد حالة من التداعي. وانخفضت نسبة توزيع هذه الصحف في أوروبا، وهي تشكل نسبة تزيد على ثلثي الإجمالي العالمي، بمقدار 10 في المائة، كما يقول باكر، وأغلقت عشرات منها. ويقول باكر: «يبدو أنها وصلت إلى الذروة».
وفي الوقت الذي تعاني فيه الصحف مدفوعة القيمة، تضررت أيضا الصحف المجانية بصورة أكبر بسبب التراجع الاقتصادي لأنها تعتمد كليا على الإعلانات، وهي أكثر تقلبا من أي مصدر للأرباح مثل مبيعات أكشاك الصحف والاشتراكات. ويقول المحللون إن أرباح الإعلانات في العديد من الصحف المجانية قد انخفضت بنسبة تزيد على الثلث في الشهور الأخيرة، مقارنة بالعام الماضي.
ونتيجة لذلك، يخفض ناشرو الصحف المجانية النفقات ويقومون بعمليات اندماج. وقد وافقت «مترو إنترناشونال»، التي تمتد من استوكهولم إلى ما يزيد على 100 مدينة حول العالم، في الشهر الماضي على بيع صحفها في فيلادلفيا ونيويورك، بالإضافة إلى 51 في المائة من أسهمها في صحيفة بوسطن. (وتمتلك 49 في المائة من مترو بوسطن شركة نيويورك تايمز، التي تنشر إنترناشونال هيرالد تريبيون). ويقال أيضا إن «مترو إنترناشونال» كانت تبحث عن مشتر لفرعيها في إيطاليا والبرتغال. وفي السابق، انسحبت من إسبانيا وهي الدولة التي كانت «الصحف المجانية» مزدهرة فيها، حتى ظهر عدد كبير للغاية منها.
ويقول أندرز كرونبورغ، رئيس القسم المالي في «مترو إنترناشونال»: «عندما تكون هناك منافسة، من المهم أن تظل رقم 1 أو 2. وإذا لم تكن رقم 1 أو 2 فلتخرج من الساحة».
وقليل من الأسواق يمكنها استيعاب أكثر من مطبوعة أو اثنتين مجانيتين، لأنه، كما يقول المحللون، تصل هذه الصحف عامة إلى قراء متشابهين للغاية، وهم المسافرون يوميا من الشباب في المدن. ويفضل المعلنون أن يشتروا مساحات في أكبر صحيفة مجانية في مدينة معينة، ويتركوا بقية الصحف تتعارك على الأرباح المتضائلة.
وربما يكون أكثر مثال على مدى المبالغة التي تحدث عندما تصبح سوق الصحف المجانية مزدحمة للغاية، هو حرب الصحف الدنماركية في عامي 2006 ـ 2008. وقد بدأت عندما جاءت «داغسبرن»، وهي شركة إعلامية أيسلندية، إلى الدنمارك عام 2006 بنهج متطرف: فأطلقت صحيفة تسمى «نيهدزاويزن»، التي لم تكن توزعها فقط في الطريق، بل توصلها إلى مئات الآلاف من المنازل، دون مقابل. وردا على ذلك، بدأ ناشرو الصحف المجانية القائمة في تقديم خدمات التوصيل الخاصة بهم، وبدأت الصحف ذات المقابل في نشر العديد من الصحف الفرعية المجانية في محاولة للحفاظ على مجالها. ويقول باكر إن صناديق البريد في جميع أنحاء البلاد امتلأت بالصحف المطبوعة، في الوقت الذي ارتفع فيه توزيع الصحف في الدنمارك إلى ما يزيد على مليوني نسخة. وأثبتت خدمة التوصيل إلى المنازل أنها أكثر تكلفة مما كان يتوقع بعض الناشرين. وعمل انتشار الصحف على خفض معدلات الإعلانات إلى نسبة 10 في المائة من معدلات النشر. وفي الوقت الذي تباطأ فيه الاقتصاد في العام الماضي، بدأت الصحف المجانية في التوقف عن الصدور، ومنها «نيهدزاويزن»، التي أغلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي الوقت الحالي، يوجد ثلاث صحف مجانية كبرى فقط في الدنمارك، اثنتان منها تصدر عن ناشر واحد، وهو «مترو إنترناشونال». وقد انخفض توزيع الصحف المجانية إلى أقل من 600000 نسخة، وبدأت الصحف مدفوعة القيمة في تضميد جراحها. ويقول مورتن نيلسن مستشار الصحف في كوبنهاغن: «لقد كان ذلك مكلفا للغاية لجميع المشتركين فيه. ولا أعتقد أننا سنرى شيئا مثله ثانية». وتهدف إعادة هيكلة «مترو إنترناشونال» إلى التخفيف من أزمة السيولة؛ وتلجأ الشركة أيضا إلى حاملي الأسهم في محاولة لجمع المزيد من الأموال. وفي الوقت ذاته، تبدأ في نشر صحف في أماكن جديدة مثل روسيا وأميركا اللاتينية وآسيا، حيث توجد أعداد أقل من الصحف المجانية من أوروبا الغربية.
وعلى الرغم من هبوط معدل الإعلانات، فإن الصحف المجانية ما زالت لها بعض المميزات التي تجتذب الناشرين إلى ذلك المجال في المقام الأول، حيث يسعى العاملون في التسويق إلى الأشخاص الذين يلتقطون الصحف المجانية في طريقهم إلى مكاتبهم، لأنهم يميلون إلى امتلاك المال، ولكن يتزايد إحجامهم عن شراء الصحف.
يقول ستيف أوكلاند، المدير الإداري لوحدة الصحيفة المجانية في «أسوشييتد نيوزبيبرز» في لندن، التي تنشر الصحيفتين المجانيتين «لندن ليت»، و«مترو»: «ما زال قراؤنا في وظائفهم، ما زالوا يعملون. وعلى الأرجح فإن في متناولهم دخل أكثر بقليل من العام الماضي. وهذا افتراض جذاب للمعلنين».
وقد ساعدت صحيفة «مترو» التي تنشرها «أسوشييتد نيوزبيبرز»، وليس لها علاقة بـ«مترو إنترناشونال»، صفقة تجعلها الصحيفة الوحيدة التي توزع في مترو الأنفاق في لندن. ويحين موعد تجديد ذلك العقد في العام المقبل، ويتوقع المحللون وجود منافسين في الصفقة، ومن الممكن أن يكون بينهم «نيوز كورب»، التي تنشر صحيفة مجانية بعد الظهيرة في لندن.وأحد الأشياء التي تفاضل بين ناشري الصحف المجانية هو تعاملها مع الإنترنت. فعلى سبيل المثال، استخدمت «مترو إنترناشونال» الإنترنت بصورة محدودة. ويقول كرونبورغ: «هل من الممكن أن تحقق أرباحا من خلال نشر أخبار عامة على الإنترنت؟ أعتقد أن ذلك سيكون صعبا للغاية». ولكن تنظر شركة «سكيبستد»، وهي شركة مقرها أوسلو تنشر صحفا مجانية مثل «20 مينيت» في فرنسا بالتعاون مع شركة صحافية محلية هي «أويست فرانس»، و«20 مينوتوس» في إسبانيا، إلى الأمور بصورة مختلفة، حيث تقول إن هناك تداخلا طبيعيا بين الصحف المجانية المطبوعة والنموذج المجاني السائد للأخبار على الإنترنت.
ويقول سيفير مونك، مسؤول العمليات الخارجية في «سكيبستد» إنه في الوقت الذي تخسر فيها أنشطة الصحيفتين على الإنترنت، كانت «20 مينيت» و«20 مينوتوس» تحققان أرباحا حتى وقعت الأزمة الاقتصادية في العام الحالي.
وقد ساعد على حل الأزمة تخفيض نفقات العاملين. وفي إسبانيا، وصل توزيع «20 مينوتوس» إلى نحو 900000 نسخة، وهو عدد يفوق أي مطبوعة يومية هنا، مجانية وغير مجانية، ويخرجها 225 فردا فقط. ويقل عدد العاملين في «20 مينيت»، أكبر صحيفة عامة يومية في فرنسا، عن هذا الرقم؛ وقد أثارت خطط لتخفيض آخر في عدد العاملين مقاومة منهم، حيث نظموا إضرابا في الشهر الماضي، وأوقفوا إصدار الصحيفة لمدة يوم واحد.
ويقول مونك، بعد وضع تلك الصعوبات جانبا، إن عمليات التوفير ستساعد الصحف المجانية على التعافي عندما تنتهي الأزمة الاقتصادية. وقال: «لا تخفي حقيقة أننا نمر بهذا التراجع أن ذلك نموذج عمل واعد».
خدمة «نيويورك تايمز»