القتال بالكاميرا في الحرب الإعلامية
ديار علي
القتال بالكاميرا عند حزب الله إيمان يوازي المقاومة بالسلاح، فالرصاصة كما يقول "محمد دبوق" - أحد مصوري حزب الله - ربما تقتل جنديًّا ما، بينما الصورة التي تنقلها الكاميرا التلفزيونية تقتل آلافا بل الملايين من الإسرائيليين، وتهزمهم نفسيًّا في المستوطنات والثكنات العسكرية.
دبوق - الذي أجرى موقع "إسلام أون لاين.نت" حواراً معه - في الثلاثينيات من عمره، شارك في تصوير العديد من العمليات العسكرية منذ عام 1986، منذ أن بدأت فكرة تصوير عمليات حزب الله ضد الكيان الإسرائيلي المغتصب.
ضيفنا تحفظ على العديد من الأسئلة.. وأخرى كأنه لم يسمعها، ونحن فهمنا الرسالة فتقيدنا بما أراد دون إلحاح، فليس كل ما يعرف يقال، خاصة عند كوادر النضال كحزب الله والمقاومة بشكل عام.
* برأيك كيف هزمت الكاميرا الإرادة الصهيونية وإرادة الجندي الإسرائيلي في القتال؟
- المقاتل يحتاج إلى وسائل أخرى تؤازره كالمال والإعلام الذي نحن في سياقه، فالغرب استخدم الإعلام بشكل مكثف خلال الحرب العالمية الأولى والثانية؛ ليفرض بعض القناعات، وبالتالي استطاع أن يحقق انتصارات من خلال الإعلام، ولاحظنا ذلك في حرب الخليج الثانية، فقد استخدم الغرب الإعلام بشكل مكثف؛ ليوصل الفكرة التي يريدها، فكان لا بد لنا في حزب الله أن نوصل للمجتمع الصهيوني صورة مرئية؛ وهنا كانت البداية، كان هدفنا أن يفهم الجميع أن هناك أناسا في هذا الكون لا يزالون يحملون السلاح، ويملكون الإرادة لمقاومة عدو متجبر يحتل الأرض، ويستبيح الحرمات، ويقتل النساء والشيوخ والأطفال.
* من خلال تصويرك للعديد من العمليات لحزب الله.. ما هو تأثير ذلك على نفسية الجندي الإسرائيلي؟
- نحن استطعنا أن "نوظف" هذه الصورة، كنا نصور العملية ثم نعرضها في نفس اليوم، ومن ثم نوزعها على وسائل الإعلام.. وبالتالي كانت تساعد على نشر الصورة، باختصار المقاتل هو الذي يحمل البندقية ويطلق الرصاص على الجندي الإسرائيلي.. أما نحن حاملو الكاميرا نطلق الرصاص على كل المجتمع الإسرائيلي.
* هل من شواهد على ما تقول؟ وكيف يتم استخدامها؟
- هذا الأمر تجلى في الانتفاضات التي حصلت داخل المجتمع الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال حركة الأمهات الأربع اللائي قتل أبناؤهن في إحدى عمليات الجنوب.. (هم ليسوا فقط أربع أمهات) فقد استطاعوا أن يجمعوا جميع أمهات القتلى الإسرائيليين وأصدقائهم وأقاربهم؛ ليقوموا بحركة داخل المجتمع الإسرائيلي يطالبون بالانسحاب من جنوب لبنان.. نحن استخدمنا هذه الصورة؛ لنبين الشرخ الذي أحدثه تورط إسرائيل في لبنان.
* عفوا.. لماذا تسمي إعلان الأمين العام عن خطف الجنود حربا نفسية؟
- لأنهم لم يعلموا شيئا.. بقوا 48 ساعة لم يعرفوا من هو ضابطهم الذي استدرج، كما أن الجنود الثلاثة الذين أسروا من قبل المقاومة في عملية شبعا.. حتى الآن هم لا يعلمون إن كان أحدهم جريحا أم ميتا.. هذا أمر غير عادي، لا يعرفون أي معلومة عن مصيرهم، هذا الأسلوب يحطم النفسية اليهودية..
كما استخدمنا أيضا أسلوب الـ Promotion، وهو عبارة عن الفلاش التلفزيوني، وهو مجموعة من لقطات سريعة تظهر في 30 ثانية، تعرض بعض المشاهد بطريقة فنية معينة؛ لنقول للمجتمع الإسرائيلي: انظر كيف ينهار جنودك.
في اعتقادك كيف أثرت الحرب الإعلامية على زرع الخوف في نفس الجيش الإسرائيلي؟
يجب أن تعلم أن الجندي الإسرائيلي بطبيعته جبان.. وهناك عدة شواهد على ذلك.. انظر إلى الطفل الفلسطيني الذي يلاحق الجندي المدجج بالسلاح يهرب خوفا من حجر كالفأر، ونحن في المنار نعرض هذا المشهد كثيرا؛ لأنه يهزمهم، أتمنى أن يعاين شعبنا العربي والمسلم هذا الرعب، إسرائيل اعترفت بهزيمتها عسكريًّا وإعلاميًّا.
الحرب الإعلامية كانت وما زالت هي وسيلة من أهم الوسائل الموجودة في العالم.. وأتمنى على كل عربي أن يشاهد فيلما أمريكيا "لروبرت دينيرو"، و"دستن هوفمان"، واسم الفيلم "Wage the Dog"، يتحدث كيف تستطيع أمريكا أن تصنع حربا من الأعلام، حربا بين الدول فقط بكذبة إعلامية.. الفيلم أحدث ضجة كبيرة؛ لأنه يظهر مدى أهمية الإعلام في إقامة الحروب بين الشعوب.. فأمريكا تستطيع للأسف بكل سهولة أن تضخم مشكلة حدودية بين دولتين لتصل إلى حرب تأكل الأخضر واليابس.. لذا كان لا بد لنا أن ندخل هذا المضمار قدر ما نستطيع.
* ولكن ما سر نجاح حزب الله في الحرب الإعلامية.. هل نقل الصورة بمجرد كاميرا يكفي لإحداث هزيمة نفسية للعدو؟
لقد استخدم حزب الله الصورة بطريقة مدروسة جدا.. فهناك خبراء ومفكرون وقياديون كانوا خلف هذه الصورة، يدرسون الطرق المناسبة لاستخدامها ضد العدو الصهيوني حتى إن بعض المجاهدين أعطوا أفكارا خلاقة مبدعة تم تبنيها، وأصبحت مشروعا يعرض.
* هل لك أن تحدثنا عن كيفية استشهاد مصوري الحزب؟ وكم كان عددهم؟
استشهد لنا أربعة مصورين، أول شهيد لنا كان اسمه بهجت دكروب، وهو مصور فوتوجرافي وتلفزيوني محترف، واسمه العسكري بهاء استشهد في أثناء الهجوم على أحد المواقع، استطعنا أن نسحب جثته إلى خارج منطقة المعركة وكانت كاميرته قد صورت العملية، استشهد قبل الانسحاب بقليل، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى حتى باستشهاده كان يحقق نصرا من خلال هذه الصورة، وقد استطعنا أن نسحب الكاميرا والشريط إلى منطقة آمنة.
الشهيد الثاني اسمه العسكري باقر، والأصلي أحمد حيدر أحمد، وقد استشهد في حرب الأيام السبعة، عدوان تموز 1993 أيام رابين، وذلك في أثناء تصوير إحدى عمليات المقاومة، والشهيد الثالث يدعى مصطفى مقنر استشهد في أثناء عملية في موقع الدبشة، وكلهم كانوا قد صوروا عمليات نوعية.
وآخر شهيد كان اسمه سعيد فران، والكاميرا التي كان يصور بها قد تعرضت لضربه قاسية ولكن بقي الشريط كما هو، وهناك مشاهد في الشريط لم تعرض بعد سيتم عرضها لاحقا، تظهر مجموعة الهجوم تتقدم وكيف تسقط قذيفة قرب المصور فوقع على الأرض ووقعت الكاميرا أيضا، وبقيت تعمل تسمع أنفاسه الأخيرة من خلال الصوت ويده سقطت أمام العدسة.. المشهد مؤثر جدا..
* كيف يتحرك المصور في المعركة مع مجموعة الهجوم؟
بداية المصور يخضع لنفس التدريبات التي يخضع لها المقاتل بل أشد من ذلك، والسبب أن المصور ربما يتعرض لموقف قد يضطر لاستخدام سلاحه للدفاع عن النفس، ولكن من الثوابت أن يمنع من استخدام السلاح، والمسؤول الأول عن المصور هو قائد مجموعة الهجوم.. المصور يتحرك بطرق تكتيكية ومركزه يكون وسط الهجوم تقريبا، وخلف رأس الحربة، وهي حركة تأمين غير مباشرة ليستطيع التقدم ولكن في مرحلة من المراحل يصبح المصور معرضا للخطر كأي مقاتل منهم، خاصة عندما يصلون إلى "الدشم" الرئيسية للموقع وهي المتاريس والحواجز الإسمنتية والرملية التي يضعها العدو لموقعه.
هنا المصور مطلوب منه أن يكون كالصياد الماهر، أن يعرف كيف يختار صورته أن تكون أعصابه باردة.. عين في الكاميرا وأخرى تبحث عن المشهد الأهم للتصوير..
* تصوير العمليات العسكرية انتقل مؤخرا من جنوب لبنان إلى فلسطين عن طريق كتائب القسام التابعة لحركة حماس التي استطاعت تصوير عمليتين إلى هذا الوقت.. هل تعتقد أن تصوير عمليات الداخل سينجح النجاح الذي أحدثه تصوير عمليات حزب الله؟
- اعتاد الإسرائيلي دوما أن يسجل انتصاراته ويوثقها وأن يظهرها إعلاميا إن استطاع ويتغنى بها، وقد فعل ذلك في حرب عام الـ67، وجزء من حرب 73، ففي الحرب الأولى استطاعت إسرائيل أن تجمع أحذية الجنود المصريين من الشهداء والأسرى وحتى من الجرحى، وعملت منها هرما يشبه التلة وضعت في إحدى المدن الرئيسية في أراضي فلسطين 48، وغرض ذلك الاستهزاء بالقول: إن العرب فروا من الحرب خوفا بدون أحذية، يتباهون بأنفسهم بأنهم الجيش الذي لا يقهر..
نحن نقول: تعال أيها الجيش الذي لا يقهر، نحن هنا وأنت هناك.. والقرآن يقول: "لا يقاتلونكم إلا من وراء جدر"، المقصود بأنهم جبناء لا يستطيعون المواجهة، فعندما تقوم حركة حماس بتصوير العمليات هذه خطوة ناجحة ومطلوبة، فهي من خلال ذلك تقرأ قراءة جيدة للنصر اللبناني، وهم إلى جانب ما يقومون به بدءوا يستخدمون الوسائل التي استخدمها حزب الله ليست في المجال العسكري بل في المجال الإعلامي أيضا، ونتمنى عليهم أن يصوروا جميع عملياتهم ضد العدو الإسرائيلي؛ فحماس والجهاد الإسلامي وحتى إسرائيل تعلم مدى أهمية وتأثير الصورة على المجتمع الإسرائيلي.
* لِم تعرضون أحيانا ضربات إسرائيلية للمقاومة وأحيانا عمليات ضدكم تبث على التلفزيون الإسرائيلي؟
هم يعرضون ما تصوره طائراتهم عن بُعد، والأهداف التي يقصفونها، وهذا أمر سهل جدا.. ليس لدينا أي مانع من عرض ما يصوره العدو الصهيوني من عمليات ضدنا؛ لأن المجتمع اللبناني والعربي سوف يشتم هذا العدو، وسيقول: إنه لا حق له فيما يقترف بحق شعبنا.. لأن وطننا محتل، والناس تفرح عندما تعرض المقاومة عملياتها.. بل ستكبر الله لذلك..
وهنا المفارقة؛ لأن المقاومة استطاعت أن تكسب ودّ جميع الناس؛ لأن ما تدافع عنه حق مشروع لها.. لا نمانع أن نعرض بعض عمليات إسرائيل ضدنا، وعلى تلفزيون المنار.. فهو من بين عشرين عملية نقوم بها ونصورها يرد هو بعملية واحدة.