لا تخاطب عقلها
الصحافة النسائية كثير من المكياج وقليل من الجدية!
* تحقيق ولاء حمادة
ظهرت في السنوات الأخيرة مطبوعات كثيرة تتوجه إلى المرأة إلا ان اللافت هو أن معظم هذه المطبوعات تركز على المظهر والديكور والملابس بينما يتم تجاهل عقل المرأة، هذا ما أكدته دراسة للدكتورة سهام نصار الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بآداب حلوان عن (المجلات النسائية والإشباعات المتحققة منها). أظهرت الدراسة أن الصحافة النسائية تغفل في أحيان كثيرة خصوصية قضايا المرأة العربية، فتقع في فخ التبعية لأجندة الاهتمامات الغربية المغايرة تماماً لأجندة المرأة العربية المسلمة.
كشفت الدراسة عن ضعف ملحوظ في مستوى الأداء المهني لعدد من الصحف النسائية، بالإضافة إلى عجز هذه المطبوعات عن تشكيل رأي عام نشط وفاعل وواع بقضايا المرأة وتقديم صورة واقعية تعكس إنجازاتها وتناقش همومها ومشاكلها وتعبر عن ذاتيتها وتقدم مضموناً يشبع احتياجاتها المعرفية والثقافية والإعلامية ويربطها بقضايا المجتمع.
كما أظهرت الدراسة أن الحيز الأكبر من صفحات الصحف والمجلات النسائية يحوي مضموناً استهلاكياً لا يواكب واقع المجتمع والمرأة والأسرة.
تتسق النتائج المستخلصة من دراسة د.سهام نصار اتساقاً يلفت النظر مع دراسة أخرى صادرة عن مركز قضايا المرأة حيث أظهرت أن الصحافة النسائية تصور المرأة في صورة النموذج الذي يهتم بالشكل أكثر مما يهتم بالجوهر، فالمرأة مشغولة بجمالها مسرفة في أناقتها وزينتها، التحقيق التالي يلقي الضوء على سلبيات الصحافة النسائية ويحدد الصورة المثلى التي يجب أن تكون عليها المطبوعات المعنية بشؤون المرأة.
في البداية يشير الدكتور محيي الدين عبد الحليم أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر إلى أن المستوى المتدني في الصحافة النسائية مرجعه الأساسي يعود إلى زيادة المادة الإعلامية بها وإلى نمو الجانب الاقتصادي لتلك الصحافة على حساب المضمون التي تعد مجالاً خصباً لنشر الإعلانات وتوزيع المنتجات عن طريقها، لذا فإن الاعتماد على المادة الإعلانية إلى حد كبير هو المسئول الرئيسي عن خروج تحليلات صورة المرأة في تلك المجلات أو المطبوعات بشكل أنثوي نمطي بحت.
ويوصي د.عبد الحليم بضرورة الفصل بين تحليل مضمون الإعلانات وبين تحليل مضمون المادة المحررة سواء كانت مادة قصصية أو تحقيقات أو أخباراً تخص المرأة نفسها أو تخص المرأة في علاقتها مع الآخرين ولعل ذلك يؤدي إلى وضوح التحليل ودقته وموضوعيته في آن واحد.
ويشدد الدكتور محيي الدين عبد الحليم على خطورة اعتماد المطبوعات النسائية اقتصادياً على الإعلانات لأنه يعكس صورة المرأة التي تتسق مع المعايير السائدة عن مفهوم الأنوثة.
ويستطرد د.محيي: وعلى الرغم من أن هناك محاولات معاصرة لتقديم صورة جديدة عن المرأة تبرز التغيرات الجديدة التي استحدثت على وضع المرأة ومكانتها في المجتمع والأدوار الجديدة التي تضطلع بها في المجتمع الحديث إلا أنها تتمشى إلى حد كبير مع المفهوم التقليدي لدور المرأة الذي يقدم على أنه دور لا يقبل المناقشة.
وفى تعليقها على تناول الصحافة لقضايا المرأة تقول د.سامية الساعاتي استاذ علم الاجتماع: أن أغلب ما يقدم من خلال الصحافة النسائية والإعلام النسائي بصفة عامة قد غلب عليه توجهات خاصة تتسم بالتركيز على صورة نمطية لا تتفق مع الواقع المعيش، وتقدم مادة تتناول قضاياها الهامشية دون القضايا دون المحورية، كما أنها تقدم بعض أدوارها التقليدية التي قصرت عليها لفترات طويلة مع حجب أدوارها المستحدثة التي تظهر كفاءتها الفعلية وقدرتها على الجمع بين أدوار متعددة، هذا إلى جانب الصورة السلبية التي كثيراً ما تقدم بها، مما يحط من شأنها ويقلل من كرامتها.
وتطالب د. سامية بإعادة النظر فيما يقدم من مادة صحفية للمرأة، وتوظيف المادة الإعلامية التوظيف الأمثل بما يعمل على تغيير الاتجاهات والأفكار السائدة عن المرأة لدى أفراد المجتمع، وذلك حتى يقدم صورة حقيقية عنها ويقدمها في إطار يعبر عن واقعها المعيش من ناحية، ويعمل على النهوض بها من خلال المادة الصحافية التي يجب أن تكون بمثابة المعين الحقيقي لحركة المرأة، وبالتالي تقدم المجتمع.
وتستطرد د. سامية : وهنا يصبح لزاماً على المطبوعات النسائية أن تتحمل مسئوليتها الاجتماعية في التصدي لإحداث التغيير الاجتماعي المنشود، وهى من وجهة نظرنا مسئولية مزدوجة، فهي من ناحية مطالبه بتغيير اتجاهات الأفراد نحو مكانة المرأة في المجتمع وبالتالي تغيير ما يقدم عنها من صورة سلبية.
ومن ناحية أخرى يمكن أن تمثل قوة دافعة للمجتمع وأفراده نحو تبني اتجاهات إيجابية مستحدثة تناسب العصر، وتتمشى مع احتياجات المجتمع ومع ما تسعي إليه الدولة من العمل على النهوض بالمرأة ومساعدتها على القيام بأدوارها المتعددة خير القيام.
وفى السياق نفسه يطالب الدكتور على فهمي الخبير الاجتماعي بوضع خطة إعلامية مدروسة تهدف إلى تغيير الصورة السائدة عن المرأة، مع الاعتماد على رصد التغيرات التي حدثت للمرأة في الفترة الأخيرة بما يبرز وضعها الحقيقي.
والتركيز على هذا الأمر ينمي لدى الجماهير عامة والمرأة خاصة القيم الإيجابية التي تساعد على التعجيل بعملية تنمية المرأة، وتنمية قيم الوعي بقضايا المجتمع والقدرة على التطوير والتعديل من خلال النقد البناء الذي يتناسب مع مجريات التحديث، من خلال استراتيجية إعلامية تقوم على النظر إلى قضية المرأة كجزء لا يتجزأ من قضايا المجتمع، وتجنب الفصل التعسفي الذي يؤدي إلى الوقوع في إطار النظرة التجزيئية إلى وضع المرأة وإغفال دورها الحقيقي في تنمية وتطور مجتمعها والعمل على دمج المرأة في كافة الأنشطة السياسية والاقتصادية المختلفة.
وأوضح د.على فهمي أن التعارض والتضاد الذي يلاحظ أحياناً في وسائل الإعلام المختلفة فيما يقدم عن المرأة، إنما يفرض أهمية التنسيق فيما تقدمه هذه الوسائل، ولا يعنى التنسيق المطلوب مطالبة تلك الوسائل بالخروج بصورة نمطية لا تتغير عن المرأة، وإنما يضع أسلوباً خاصاً يفرض على تلك الوسائل اتباعه من خلال خطوط عريضة، أو اتباع إستراتيجية هادفة تعمل على الالتزام بالعمل على تغيير صورة المرأة التي تقدم بشكل سلبي، كما تعمل على ألا تقدم الصورة ونقيضها أي لا تقدم قيماً إيجابية تعمل على مساعدة المرأة على القيام بأدوارها في بعض الوسائل.
أما الأديبة د. عزة بدر فتحث الصحافة النسائية على أهمية التوفيق بين المرأة والطفل والتوفيق بين الطفل وأماكن تواجده من حضانة ومدرسة.
كما تدعو د.عزة إلى الاهتمام بالسيدات الرائدات في المجتمع سواء كانت امرأة عاملة أو أديبة ناجحة وتتساءل ما المانع من وضع إحدى هذه السيدات على أغلفة المجلات والصحف أم أن الأهم لدى هذه المجلات هو وضع وجه جميل فقط بغض النظر عن قيمته الأخلاقية أو العلمية؟!
وأوضحت د.عزة أنه حتى المجلات المعنية بالتعامل مع المرأة بشكل تقليدي فتقدم لها الموضة والأزياء والمطبخ لا تقدم لها مثلاً القيمة الغذائية في تلك الوجبات أو الشروط الصحية التي يجب أن تتوافر فيها وأهميتها أو كيف يفقد الغذاء القيمة الغذائية المتوافرة أو وجه الاختلاف بين الوجبات الغذائية لكل امرأة.
وتتطرق د. عزة إلى (الموضة) التي تعرضها الصحافة النسائية فهى ملابس لا تتناسب مع طبيعة المرأة العربية فغالباً ما تكون ضيقة أو قصيرة فتلك الملابس التي نراها تجعل من المرأة مجرد بضاعة معروضة وليست جسد له كرامة وكبرياء.
وتضيف د.عزة أن الدور الذي تقدمه تلك الصحافة النسائية مفقود وتطالب بعرض الاهتمامات الحقيقية للمرأة بعيداً عن الإسفاف وأن تحترم عقليتها وأن تقوم بدور إيجابي بحيث تتعامل مع المرأة كإنسان متكامل روحا وجسدا.
كزوجة وأم تعمل وتقوم بتوجيهها بالطرق الصحيحة التي تساعدها في التوفيق بين عملها وبين بيتها ومجتمعها.
وتطالب د.عزة في نهاية حديثها الصحافة النسائية بتوسيع مدارك المرأة بكافة شرائحها سواء كانت عاملة أم ربة بيت، مرفهة أم في وضع مادي صعب.
وترى د. عزة أن الذي جعل بعض الصحف والمجلات النسوية مثالاً رديئاً للصحافة النسوية هو سوء الاستهلاك الاقتصادي، كما أن المجلة (الفلانية) الأكثر مبيعاً في أي دولة من دول العالم لا تعني بالضرورة أن القيمة الموضوعية والفائدة التي تقدمها هذه المجلة أكثر من غيرها بل أحياناً على العكس.
من جهته يشدد الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة على أهمية التناول الصحفي لقضايا المرأة في الصحافة النسائية وطالب بسرعة اتخاذ خطوات إيجابية نحو مزيد من التفعيل للأدوار الوظيفية للاتصال الجماهيري بصفة عامة، والصحافة النسائية بصفة خاصة.
ميثاق صحفي
وعن تحليلها لهذه الظاهرة تقول هناء محمد مديرة تحرير احدى المجلات إن مخاطبة اهتمامات المرأة بالأمور الهامشية إنما هي موجة أصابت تقريباً معظم الصحافة النسائية بحيث أصبحت سلعة تجارية أكثر منها صحافة فنجد أن هذه المجلات تستخدم الصور الجذابة للمرأة حتى ينجذب لها القارئ والشباب بصفة خاصة، وفى مقابل هذه النوعية من المجلات نجد أن الجادة منها لم تأخذ فرصتها بين هذه المجلات، وتدعو هناء محمد إلى عمل ميثاق صحفي يحترم المرأة ويهتم بقضاياها.
وتري د.نجلاء القليوبي أن المطبوعات النسائية بعيدة كل البعد عن القضايا المحورية للمرأة فمعظم اهتمامها منصب على إبراز جمالها فقط وغيرها من (الهيافات) التي أتت إلينا من الخارج مما يضر ضرراً شديداً بالمرأة لان دور المرأة الحقيقي يتمثل في التنمية والمشاركة.
ويدعو أحمد أبو المعاطي صحفي أن تعطي هذه المطبوعات موضوع مشاركة المرأة في المجتمع بعض الاهتمام بجانب الموضوعات الهامشية وتركز على القضايا التي يتفاعل معها المجتمع بشكل عام، على أن يكون ذلك بخطاب إعلامي جيد يحترم عقلية المرأة.