التلفاز وسيطاً تربوياً؟

التلفاز وسيطاً تربوياً؟
تتألف كلمة تليفزيون من جماع كلمتي «تلي» وتعني النقل عنبعد و«فيزيون» وتعني الرؤية، وعلى ذلك يصبح المعنى الكلي للكلمتين: المشاهدةعن بعد، التلفاز وسيلة سمعية بصرية، لذلك يعتبر الوسيلة الأنسب للإيضاح البصري، بمايعرض عن مشاهد وعمليات، ويجري تفسيرات للترابطات والعلاقة بين الأشياء من خلالالصورة والحركة واللون، كما أن سهولة التعرض مرشحة لتحتل موقفاً متقدماً منجملة وسائل الإعلام الأخرى.

إن الشاشة الصغيرة تساهم في تنشئة الأطفال اجتماعياً،فتجعله جزءاً لا يتجزأ من حياة طفلنا المعاصر عبر نقل الأفكار والآراء والمعارف.

أثر التليفزيون السلبي علىحياة أطفالنا

تبدي الأوساط العلميةاهتماماً ملحوظاً بالتأثيرات المعرفية والسلوكية التي يحدثها التليفزيون باعتباره الوسيلة التي استطاعت أن تنشئ جيلاً خالصاً،غير أن التأثيرات السلبية لهذه الوسيلة لاقت أيضاً اهتمام الباحثين في مجالاتالإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجريمة، بعدما اتضح أن هذه الوسيلةبدأت تعيش مع ظاهرة العنف من منظور تجاري، فتصف الأطفال تفاصيله كسلعة مطلوبةتحت التسلية والترفيه والتنفس وإلينا عرض لهذه التأثيرات:

1ـ الترفيه: إن الترفيهحاجة أساسية لدى الإنسان وهو مطلوب لأنه يحترم إنسانية الإنسان ويحققها ويساهم في تنشئة وتحقيق صحته النفسية والعقليةوفي إمتاعه وتجديد نشاطه، وإنه أيضاً وسيلة لكي نصبح اجتماعيين ونتعلم الأدواروالقواعد والقيم.

لكن الترفيهالسائد في التليفزيون هو ترفيه نمطي، يتنكر لواقعية الواقع، ويسعى بشكل منهجيومخطط ومدروس ومعتمد لتقديم صورة زائفة لهذا الواقع، وذاك بقصد تسطيح المشاهد وتضليلهوتخديره، بهدف إبعاده عن الاهتمام بقضاياه الأساسية، وبقضايا مجتمعه وعالمه وعصره،كاستراتيجية متبعة لتثبيت الوضع الراهن، ومنع أي تغيير.

وأكد هربرت شيلر «أنالبرامج الترفيهية هي في الواقع أشكال تربوية وأشكال توعية أيديولوجية»وبذلك تصبح مهمة التليفزيون نشر معرفة سطحية وثانوية ومزيفة.

2ـ إنه عمل ذو اتجاه واحد:يستلزم تلقي مادة حسية خاصة بطريقة معينة.

3ـ إن حاجات الأطفالالصغار مختلفة تماماً:

أ) نمو الأطفال يتطلبفرصاً لتحقيق أسر أساسية، وبذلك يمكنهم فهم أنفسهم، لكن كل ما تقولهالتجربة التليفزيونية هو تقلص هذه الفرص.

ب) يحتاج الأطفال الصغارإلى تنمية طاقاتهم على التوجيه الذاتي حتى يحرروا أنفسهم منالتبعية، لكن التجربة التليفزيونية تساعد على استمرار هذه التبعية دوماً.

ج) يحتاج الأطفال إلىاكتساب مهارات الاتصال الأساسية وتعلم القراءة والكتابة والتعبيرعن الذات بمرونة ووضوح، حتى يؤدوا وظائفهم كمخلوقات اجتماعية، غير أن التجربةالتليفزيونية لا تعزز النمو اللفظي، لأنها لا تتطلب أي مشاركة لفظية من
جانب الطفل، بل تتطلبالاستقبال السلبي وحده.

د) يحتاج الأطفال إلىاكتشاف نواحي القوة والضعف الخاصة من أجل تحقيق رغباتهم كراشدين في العمل واللعب على حد سواء، لكن المشاهدةالتليفزيونية تحد من اندماج الأطفال في تلك الأنشطة الواقعية التي قد تتيحلقدراتهم فرصة حقيقية للاختيار.

هـ) إن تلبية حاجةالأطفال الصغار إلى التنبيه العقلي تتحقق بصورة أفضل حين يمكنهم تعلمالأداء اليدوي، واللمس، والفعل، وليس مجرد المشاهدة السلبية.

4ـ إن مشاهدة التليفزيون،تشوه معنى الوقت، وتضعف العلاقات، إذ تقلص فرص الحديث والتواصل الطبيعية، بل تزيلها أحياناً.

5ـ أوضحت الدلالات علىوجود علاقة سببية بين المشاهدة التليفزيونية، وانخفاض التحصيلالدراسي إلى جانب تراجع قدرات القراءة والكتابة لدى طلاب المدارس الثانوية والكليات،لأن بعض نواحي التعليم اللفظي الأساسي التي عادة ما تكتسب خلالالقراءة، قد أهملت نتيجة لمشاهدته، حيث أن الانتباه المسترخي، غير المركز الذييخصص عادة لمشاهدته، قد يؤثر في أساليب قراءة الأطفال ويجعلهم يقرأوه بتفكيرواستدلال أقل، وتصبح القراءة أقل نفعاً.

ويمكن للتليفزيون أن يؤثرفي صحة الأطفال، فهو يسبب الصداع واضطراب النوم والقلق، ولكنلأنه يدفع إلى الانتباه المتقطع فهو يؤثر في قدرات التعليم نفسها.

6ـ إن مشاهدة التليفزيونلا تؤدي إلى تقليل وقت اللعب فحسب، بل إنها أثرت في طبيعة لعبالأطفال ذاتها، وبخاصة اللعب الداخلي في المنزل أو في المدرسة.

7ـ لعب التليفزيون دوراًمهماً في تفكك الأسرة، ومن خلال تأثيره في العلاقات الأسرية،تسهيله انسحاب الأبوين من القيام بدور فعال في التنشئة الاجتماعية لأطفالهما،فضلاً عن إفراغ حياة الأطفال من الأنشطة والسلوكيات النافعة والضرورية
للنمو الأمثل، أزال التليفزيونأيضاً سلوكيات تنشئة الطفل من جانب الآباء، ذلك بسبب اعتمادهم المتزايد عليه في حياتهم اليومية مع أطفالهم، ينسحبون مندورهم الفعال في تربية الأطفال، ويصبحون تدريجياً أقل قدرة على التعامل بنجاحمع أطفالهم الأقوياء المفتقرين إلى الانضباط.

8ـ العنف: الدراسات التيأجريت منذ أربعين عاماً تربط بين المشاهدة المتواصلة للعنف علىالشاشة التليفزيونية وبين السلوك العدواني، وهو موقف يدل على أزمة حضارية.

وفي محاولة للبحث عنظاهرة العدوانية وصور العنف والرعب والدمار التي تفيض بها أفلامالكارتون الأجنبية، أمكن التوصل إلى مجموعة من الحقائق التالية:

أ) إن العنف المقدممن خلال أفلام الكارتون الأجنبية، يتخذ لنفسه شكلين رئيسيين، العنف اللفظي،والعنف البدني.

ب) إن العنف الواردبأفلام الكارتون الأجنبية يوازي في كميته وأساليبه وطرق ارتكابه، ما قديحدث من عنف حقيقي يمارسه الأفراد في حياتهم اليومية.

ج) إن الأمر يزداد خطورة،إذا ما اعتمد المضمون المقدم للطفل على أساليب الخيال المتطرف،جنباً إلى جنب مع الأساليب الواقعية.

د) إن مظاهر العنفالمتضمنة في أفلام الكارتون الأجنبية، تمثل في ذاتها هدفاً مضمونه الاتجاه إلى عرض مظاهر العدوان، كعنف في ذاته،دون اهتمام مماثل بوجود قيم اجتماعية أو أهداف تربوية.

هـ) إنها تجعل الطفلالعربي نهباً للصراعات النفسية، بين قيم غربية يقدمها له الإعلام المستورد، وقيم عربية يقدمها له المجتمع والأهل والمدرسون،وكثيراً ما تؤدي كثافة المشاهد التليفزيونية إلى أن تنقلب منظومة القيمالأولى على الثانية، فيحيا
الأطفال في ظل معاييرمعادية لقيم مجتمعهم الذين يعيشون فيه.

و) إنها تصور الأبطال فيرداء خادع مضلل، من خلال صورة وهمية لبطولات زائفة، هدفها العنففي أقصى صورة، وإعلاء شأن الجريمة.

ز) إن الأطفال العرب،لديهم حساسية شديدة نحو تقبل العنف، في ضوء الظروف البيئية العامة في مجتمعاتهم.

وقامت عالمة النفس سيلقيمنسور بتحليل أربع طرق يتم بها الاستيعاب النفسي للعنف التليفزيوني وهذه الطرق هي:

التقليد: حيث يتشبه الطفلبشخصية من الشخصيات، فينسخ سلوكها ويأخذ أفكارها.

التشبع: وطريقة الاستيعابهنا لا إرادية، حيث يتخذ الطفل نموذجاً لا يعرفه.

عدم كبح الرغبات: إنمشاهدة العنف تجعل الطفل يقدم على الفعل كما يفعل النموذج الذي يتخذه.

فقدان الأحاسيس:عندما تتكرر مشاهد العنف أمام الطفل، فإنه يفقد التأثير العاطفي، فيرىالطفل أعمال العنف هذه شيئاً طبيعياً.

وبذلك يسهم التليفزيونإلى حد بعيد في الارتفاع المفاجئ الجديد لظاهرة تعدي الأحداث، وبخاصةفي نمو كل جديد مخيف من الأحداث المسيئة.

وجها التلفاز التربوي

هناك نهجان للتفكير بشأنالتليفزيون في مجتمعنا، فاستعماله وزيادة استعماله، قد ينظر إليهما كعرضيين لعلل حديثة أخرى.

الوجه الأول: الاغتراب،نزع الطابع الإنساني، فتور المشاعر، الخواء الأخلاقي.

الوجه الثاني: أن يعتبرالمرء جهاز التليفزيون مولدا للمرض.

فنحن بصدد قضية خطيرة،ينبغي بحثها ووضع الضوابط للتقليل من تأثيراتها الضارة، وهذا يستدعيالأخذ بعين الاعتبار المتطلبات التالية:

1ـ فرض رقابة مشددة علىالمضمون الأجنبي قبل تقديمه للأطفال العرب.

2ـ الحرص على إيجاد بدائلمن خلال تشجيع الإنتاج العربي المشترك، وتشجيع الكتاب والفنانين على المبادرة بالإنتاج في هذا المجال الحيويبما سيتوافق ومعايير التنشئة والأخلاقيات المميزة لمجتمعنا العربي.

ولاشك أن التوجيه الصحيحفي إعداد وإنتاج البرنامج ينمي أشكالاً من السلوكيات المحببة، كالتعاون والإخاء وحب الخير، ومساعدة الآخرين فتتشكلفي ذهنه صورة السلوك الذي يود اتباعه، فكثرة تعرضه للمشاهد الوديعة تساهمفي كف دوافع العدوان لديه.

3ـ الدعوة إلى قيام الأسرة بمسؤوليتهامن حيث الرقابة على المضمون الذي يشاهده أطفالها، ومشاركتهم المشاهدة للتقليل من الآثار السلبية التي يمكن حدوثها فيحالات المشاهدة الانفرادية للأطفال.

إن الحوار وتعلم وجهةالنظر النقدية، ضروري للتخلص من مضار التليفزيون، وهناك عرض لنصائحبعض المتخصصين:

ـ يجبتفادي جعل التليفزيون نوعاً من الطقوس: أي لا تجعلوا من مشاهدته عادة، فهذا يخلقنوعاً من الإدمان.

ـ تعلم الكلمات لكي تتحسنطريقة المشاهدة: إن تعلم الطفل حقيقة التليفزيون، لابد أن يتم فيوقت مبكر، فهذا يدرب العين على تمييز الألوان التي يجب على الطفل تعلم أسمائها.

ـ فهملعبة التأثير: أي تعلم كيف تتم عملية التأثير، وكيف يحدث الخلط بين الأمور علىالنحو العاطفي، وكيف تنقل لنا الأكاذيب، وكيف يتم استعمال مصطلحات لها فعل «السكك العقلية».

لنفهم أن التليفزيون«إعادة بناء» للواقع: لابد أن نعلم الأطفال وعيهم (السيميولوجي).فمازالبإمكاننا تأكيد إرادتنا في مواجهة جهاز التليفزيون، تلك الآلة ذاتالحضور الفعلي والملموس في بيوتنا، وأن بإمكاننا أن نتعلم السيطرة عليه حتى لايسيطر علينا.
نقل للفائدة

» الكتالوجات والتسويق عبر التلفاز