المدير الادارة
عدد المساهمات : 1780 تاريخ التسجيل : 08/06/2009 العمر : 36
| موضوع: هابرماس وسؤال الحداثة السبت نوفمبر 13, 2010 8:51 pm | |
| "هابرماس وسؤال الحداثة: فيلسوف محافظ بقناع حداثوي" وبالطبع،من حق أي أستاذ أن يقدم هذا المفكّر أو ذاك بهذه الصورة أو تلك، ولكن أن يركب صورة عجائبية ومغلوطة لمفكّر في حجم هابرماس مستندا إلى تركيب تلفيقيّ لمفاهيم ووقائع تنقصها الدقة التاريخية والمعرفية، فهذا أمر يحتاج إلى ردّ. فالأستاذ النبواني يطرح سؤال الحداثة لدى هابرماس، ويجعل منطلق بحثه ما عبّر عنه "بظهور كتابات هابرماس حول الحداثة في ثمانينات القرن الماضي" محدّدا إياها في "الحداثة مشروع لم يكتمل" و"نظرية الفعل التواصليّ" و"الخطاب الفلسفيّ للحداثة".ويحدّد الأستاذ الباحث لبحثه هدف إجراء "مقارنة مفهوم الحداثة عند هابرماس مع تجليات هذا المفهوم عند ثلاثة من فلاسفة الحداثة الذين يتناولهم هابرماس بالنقد وهم على التوالي هيجل وماركس ونيتشه". وهنا يلزم تسجيل الملاحظات التالية: 1- الخلط الذي يقع فيه الأستاذ النبواني بين مفهوم التحديث modernisation والحداثة modernitéوالحداثية أو الحداثوية modernisme: فالتحديث يعبر –عامة- عن سياق التطور التاريخي والمجتمعي الشامل والجذريّ الذي انخرطت فيه أمم ودول أوروبا، انطلاقا مما يسمّى بعصر النهضة ووقوع الإصلاح الدينيّ وقيام الحركة الإنسانية والحداثة هي النموذج الذهني والفكري والفلسفيّ المعبّر عن واقع و"مغزى" أو "دلالة" هذا السياق أو هذه الصيرورة. والمودرنيزم هو بالتحديد ذو حمولة فنية جمالية بالشكل الذي حدّده الشاعر الفرنسي بودلير وأثبت الأستاذ النبواني نصّ التحديد في مقاله لكن ليقع في مغالطة فكرية وتاريخية: الخلط بين الدخول في "الأزمنة الحديثة" وهذا هو لبّ ما كتبه هيجل وأبرزه في كتاب فنمنولوجيا الروح الصادر سنة 1807 و"حداثية" بودلير اللاحقة (عاش بودلير من 1821إلى 1867 بينما توفّي هيجل سنة 1831). وبالطبع، ففكر الحداثة لا تمكن دراسته دون استحضار اسم هيجل وفلسفته. وكان جديرا بالأستاذ النبواني أن يركّز على ما كتبه هابرماس في الفصل الثاني من كتاب الخطاب الفلسفي للحداثة المعنون بـ"مفهوم الحداثة عند هيجل" وقبل ذلك ما كتبه في مؤلفه "المعرفة والمصلحة" ليبرز لنا فرادة قراءة هابرماس لهيجل من خلال تجذيره (أي هابرماس) لنقد هيجل الجذري لكانط أي –من جهة- اعتبار مجمل "انتقادات" هيجل الفنمنولوجية لكانط دون السقوط في انغلاقية النسق الفنمنولوجي الهيجلي ذاته-ومن جهة أخرى- إخضاع المعرفة الفنمنولوجية الهيجلية للنقد الترنسندنتالي الكانطي نفسه…وبالتالي حصر مفهوم الحداثة ليس في عمومية زمن مسترسل ولكن في خصوصية زمن راهن يستمد مشروعيته من راهنيته نفسها. 2- ما كتبه الأستاذ النبواني حول "الحداثة كما تتجلّى لدى ماركس" اعتمد فيه حصرا على نصّ "البيان الشيوعيّ" الذي هو وثيقة إيديولوجية-سياسية بالأساس، وبالتالي فهو كلام عام وسطحيّ جدّا لا علاقة له بما أنجزه هابرماس في هذا الصدد في كتابه المنشور بالألمانية سنة 1976 تحت عنوان "إعادة بناء المادية التاريخية"، والذي سيترجم جزء منه إلى الفرنسية وينشر سنة 1985 بعنوان Après Marx وهذا الجزء هو الذي سيترجم بدوره إلى العربية وينشر سنة 2002 بعنوان بعد ماركس. مع العلم أنّ "إعادة بناء المادية التاريخية هذه برزت نواتها الأصلية منذ كتاب المعرفة والمصلحة الصادر سنة 1968 المتضمّن لفصل بعنوان:ميتانقد ماركس لهيجل: التركيب بواسطة العمل الاجتماعيّ. وهذا العنوان –في الواقع- يحتوي مفهومين أساسيين في تجذير ماركس لنقد هيجل إزاء الكانطية وبلورة نسقه الفنمنولوجي: مفهوم العمل الاجتماعي Le travail social ومفهوم التركيب أو التوليف La synthèse. فالعمل الاجتماعي- في منظور ماركس- ليس ما يمنح الإنسان إنسانيته وحسب (مفهوم أنثروبولوجي)، ولكنه أيضا ما يخلق شروط إعادة إنتاج الواقع عبر إدراكه المعرفيّ (=نظرية المعرفة) والتأثير عليه (نظرية الممارسة أو البراكسيس).وهذا ما يمكن نعته بالشروط الترنسندنتالية لموضوعات المعرفة والتجربة المؤطرة والمندرجة في سياق البناء التاريخيّ للإنسان وللمجتمع.وعليه تحضر اللحظة الكانطية هنا بالشكل الذي لا يمكن تجاوز محدودية الذات الترنسندنتالية (وهي هنا ذاتية مجتمعية وتاريخية) إلا بـ"انحلالها" ليس ضمن تركيبة كلية تتماهى فيها الذات مع الموضوع (هيجل) ولكن ضمن شروط العمل الإنساني المنتجة للعالم المادّيّ انطلاقا من أنّ شروط هذا العالم المادي نفسها هي ما يحدّد شروط العمل الإنسانيّ نفسه.وهذا هو مضمون المادية التاريخية "الجدليّ" وهنا تكمن عملية إعادة بنائها معرفيا. 3-لا تتحدّد الحداثة –كما يكتب الأستاذ النبواني- بـ"وصفها وعيا بالزمن ".فهذا الوعي-أوّلا- وجد دائما في قلب وعي الإنسان إن بشكل أسطوريّ أو دينيّ أو تاريخيّ وضعانيّ…أما نعته بـ" الانفتاح على القادم والقطيعة مع الماضي والنفور من التقاليد" فهذا أقرب إلى الشعار منه إلى تقرير واقعة ما حدث فعلا كانبثاق للحظة الحداثة في الزمن الحديث.وهذه هي لحظة انبثاق الوعي بالراهن من حيث هو يتحدد بذاته ولذاته…أي نوع من أنطولوجيا الراهن على حدّ تعبير ميشيل فوكو وهو "يقرأ" نص كانط الشهير: ما هو التنوير؟. وهذه اللحظة التنويرية الكانطية هي ما سيعود إليه هابرماس- باعتباره ممثّل الجيل الثاني للنظرية النقدية- ليخرج من المأزق الذي انتهت إليه النظرية النقدية في مرحلتها المتأخّرة الممتدّة من صدور كتاب جدل التنوير (هوركهايمر-أدورنو) إلى أفول العقل (هوركهايمر) و الجدل السلبي (أدورنو) إلى الإنسان ذو البعد الواحد (ماركوز) لاحقا: ففي هذه المرحلة "النقدية" الحرجة سيكفّ فرسان النظرية النقدية (أحدهم انتحر وهو والتر بنيامين) عن الاعتقاد في إمكانية الثورة/التغيير وهو المشروع الذي سخّروا له –إيجابا- دعوتهم النقدية ضد الإيديولوجية العلموية (الوضعية والماركسوية تحديدا ) ليتحول نقدهم –سلبا- ضد إيديولوجية "التنوير" و"العقل" و"التقدم" عامة (نقد "العقلانية التي تحولت إلى نقيضها: اللاعقلانية ونقد فكرة "التقدم" التاريخي والمجتمعي التي دخلت في النفق المسدود!). وعليه، ستتحوّل النظرية النقدية من نقد التاريخ/المجتمع إلى نقد الحضارة/الثقافة ومن نقد الفرد /الدولة إلى نقد الإنسان/العقل.بل إنّ أدورنو لن يرى من سبيل للخلاص إلا في الفنّ! وهنا سوف ينتصب شامخا المشروع الهابرماسي حاملا لواء "عقلنة التحديث وتحديث العقلنة" واستمرار المراهنة على قيم التنوير الأصلية والأصيلة مع اعتبار كل منعرجات وتعرجات التاريخ الحديث والمعاصر والانغراس في الراهن والواقع المعيش واعتماد عقلانية التواصل وأخلاق المناقشة والديمقراطية التداولية في تقرير مصير غير بائس ولا يائس لإنسانية ما تزال تؤمن بقيم العقلانية والتنوير.وهذا هو لبّ ما نحن في حاجة إليه كتنويريين عرب. من جهة أخرى: لم يكن المشروع الهابرماسي ليستوي دون دخول فيلسوف البينذاتية والتواصل وأخلاق الحوار في حوار فلسفي عميق وخصب مع فلاسفة الاختلاف وما بعد الحداثة (باطاي، ديريدا، فوكو، ليوطار…). فهؤلاء هم الذين –وبمعنى من المعاني- ورثوا الإرث النيتشوي والهيدغري وساروا به إلى تخومه القصوى.ولقد لعبت الظروف العالمية الجديدة (= تعمّق الإحساس بفقدان المعنى، تراجع الإيديولوجيات والأفكار الكبرى بل وسقوطها لاحقا…) في ازدهار الاتجاهات التي تنتقد أمرّ الانتقاد العقل والعقلانية وكلّ نطاقات الفكر الكلي والقيمي، وبالتالي، وصول مشارف العدمية واليأس المطلق من كل "تنوير" مزعوم وممكن.ويجب الاعتراف –في المنظور الهابرماسي-بأنّ هذا الانتقاد يتضمن تحليلات نافذة ومراجعات عميقة لمسار الفكر الأوروبيّ.ولكن انتقاد العقل والعقلانية إنما يتمّ بأداة العقل ذاتها! ولا بديل لفكرة التقدم إلا الرجعية والمحافظة! وعليه، فالدعوة إلى تجاوز فكر التنوير والقطيعة معه باسم الحداثة وما بعد الحداثة هو استبطان بوعي أو دون وعي لمحافظة ولا عقلانية جديدتين يؤطرهما "فكر" عدمي مغلف ببهرج الحداثة وما بعد الحداثة. | |
|