نحو صنع الفرد الأخلاقي في مجتمعاتنا
أزراج عمر:
أريد أن أذكّر هنا بالنتيجة التي توصل إليها وزير التربية الوطنية الجزائري
الراحل مصطفى الأشرف أثناء تحليله لواقع الجزائر في مرحلة ما بعد
الاستعمار. قال الأشرف بأن الخطأ الأساسي الذي وقعت فيه الجزائر المستقلة
يتمثل في إعطاء الأولوية لبلورة فكرة الأمة وليس المجتمع.
إن الذي يعنيه الأشرف هو العلاقة بين المواطنين وبين المجتمع بشقيه المدني
والسياسي. ثم إن فكرة المجتمع ذاتها ليست سوى هذه العلاقة حيث أنها إذا
كانت سليمة فإن مسار بناء الدولة- الأمة سيكون سليما، وإذا كانت سلبية فإن
النتيجة ستكون عكسية تماما.
وهنا نتساءل: ما هو أساس المجتمع إذا؟ هل هو المؤسسات أم هو الإنسان، أي
الفرد؟ وبهذا الخصوص تحضرني عبارة كان يرددها الرئيس الجزائري الراحل هواري
بومدين في كثير من خطبه. مضمون هذه العبارة هو "بناء مؤسسات لا تزول بزوال
الرجال"، كان الرئيس بومدين يعني بهذه المؤسسات المنظومة التربوية،
والمصانع، والطب المجاني، والثورة الزراعية وغيرها من العناصر المادية
والرمزية لما كان يدعى إذ ذاك بالمشروع الاشتراكي في نموذجه التقليدي
المستورد والمعمول به بشكل عام في العالم الثالث، وخاصة في جناحه العربي-
الإسلامي.
بعد سنوات على رحيله تم تفكيك ذلك المشروع واستبدل بالبديل الرأسمالي.
ويمكن لنا أن ندرك هنا أن المؤسسات لا تحمي الخيارات الكبرى وذلك لأن الذي
يتكفل بهذه المهمة هو الإنسان إذا بني بناء فكريا، وأخلاقيا، وسياسيا،
وثقافيا حديثا ومتطورا وعقلانيا وعلى أساس الوازع الديمقراطي.
فالبناء إذن ينبغي أن يبدأ من الأفراد المكونين للكتلة البشرية في المجتمع
لأن هؤلاء هم الذين يصنعون المؤسسات، وهم الذين يدافعون عنها، ويحافظون
عليها، ويقومون بتطويرها، وكذلك التعامل مع الأزمات التي تتعرض لها. ولقد
أثبتت التجارب القديمة والحديثة والمعاصرة أن الرأسمال الضامن هو الإنسان.
فألمانيا تحطمت في الحرب العالمية الثانية اقتصاديا وصناعيا، وعسكريا،
ولكن الذي بقي صلبا فيها هو المواطن الألماني الذي سرعان ما أعاد بناء
البنيات المادية والفوقية رغم التقسيم الذي تعرضت له بفعل قوة الحلفاء
الذين حاربوا هتلر وترسانته العسكرية.
ففي الواقع، إننا في بلداننا لا نطرح هذا السؤال الجوهري: كيف يتم بناء
الفرد القادر على مواجهة التحديات والانتصار عليها؟ وما هي فكرة الفرد
ذاتها؟ وهل الفرد، أو الذات، معطى قبلي أم أنه يتشكل ويصير؟
في هذا السياق ينبغي علينا أن نفتح أعيننا جيدا لنتأمل سلسلة من النظريات
التي يمكن أن تساعدنا في معركة الفهم لكيفيات تأسيس الإنسان الحداثي
المتطور. هناك النظرية القائلة بأن الفرد هو من صنع "القوى الاجتماعية
والمؤسسات"، أي الأيديولوجية وأجهزتها المختلفة. وهناك النظرية التي تنزع
إلى القول بأن التربية المبنية على احترام الأفراد منذ الصغر، ومنحهم فرصة
التعبير عن أنفسهم ورغباتهم، وطموحاتهم كفيلة بإنتاج مواطنين أحرار غير
مقموعين وغير مجبرين على اتخاذ هذا السبيل أو ذاك في حياتهم اليومية.
فالتربية بهذا المعنى لا تهدف إلى رسم قوالب للتفكير والسلوك الجاهزين،
وإنما تكون عاملا مسهلا فقط لاختيار أسلوب ومضامين التفكير، وأنواع السلوك.
وثمة وجهة نظر تؤكد بأن توزيع السلطة، بعدالة داخل العائلة الصغرى، وداخل
العائلة الكبرى التي هي المجتمع، ثم الدولة ككل، يعد شرطا ضروريا لصنع
"الذوات الحرة".
إن التربية الديمقراطية التي تتضمن الحرية هي التي تعوّد الأفراد على حكم
أنفسهم بأنفسهم، وأن "يطيعوا قوانين الطبيعة والمجتمع" كما يشرّع لها العقل
حسب تعبير عمانويل كانط. وهكذا فإن تنمية العقل النقدي الذي يكرس الاختيار
عند الأفراد هو السبيل نحو إنشاء الفرد الأخلاقي في المجتمع.
إن مثل هذه التنشئة المؤسسة على الاختيار الحر الإيجابي هي التي تصنع الفرد الأخلاقي ذا العلاقات الحوارية.
العرب اون لاين