سورية وانتهاك الحريات الدينية
راي القدس:
2010-12-08
هناك الكثير من الامور التي تستحق الانتقاد في سورية هذه الايام، ابتداء من عدم ديمقراطية النظام، وانتهاء بسجله على صعيد انتهاك حقوق الانسان وغياب القضاء المستقل، ولكن من المؤكد ان تمتع الاقليات الدينية بحقوقها في سورية هو من الايجابيات الابرز للنظام الحاكم في دمشق.
ولهذا فان التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الامريكية حول الحريات الدينية في العالم ارتكب خطأ فادحا بتوجيه انتقادات الى الحكومة السورية في هذا المضمار، واثبت ان مثل هذه التقارير مسيسة، وتستخدم من قبل الادارة الامريكية كورقة ضغط على الانظمة والحكومات التي لا تدور في فلكها.
النظام في سورية علماني صرف، بل انه من الانظمة العلمانية القليلة في الوطن العربي، والاقليات الدينية، والمسيحية على وجه الخصوص، تتمتع بامتيازات لا تتمتع بها الاكثرية المسلمة، بالمقارنة مع بعض الانظمة العربية الاخرى المعروفة بعلاقاتها الحميمة مع الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية ومصر على سبيل المثال لا الحصر.
ولعل تدفق المسيحيين العراقيين الى سورية بالآلاف هربا من 'الديمقراطية' الامريكية في العراق هو احد الادلة البارزة في هذا الصدد التي تدحض الاتهامات الامريكية.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن النظام السوري، فهناك جوانب في ممارساته المتعلقة بالحريات والحقوق الانسانية من الصعب الدفاع عنها، خاصة من قبل صحيفة محظورة في سورية منذ سنوات، ولكننا بصدد كشف النفاق الامريكي الفاضح في هذا المضمار.
فالحكومة الامريكية التي نصبت نفسها قائدة للعالم الحر، والمدافع عن قيم التسامح الديني، هي الاكثر انتهاكا لهذه القيم، ليس داخل الولايات المتحدة فقط، حيث تتعرض الاقلية المسلمة الى عمليات تمييز شرسة منذ احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وانما خارجها ايضا.
فكيف يعقل ان تعترف هذه الحكومة التي تمثل مجتمعا متعدد الديانات والاعراق والثقافات وتتباهى بذلك، كيف يعقل ان تعترف باسرائيل دولة يهودية، وتحول اكثر من مليون ونصف المليون من مواطنيها العرب الاصليين الى غرباء او اجانب مشكوك في مواطنتهم او انتمائهم الى هذه الدولة.
الادارة الامريكية الحالية، وبضغط من اللوبي الاسرائيلي، خانت كل قيم العدالة والتسامح والمساواة التي كانت احدى دعائم التعايش والذوبان في البوتقة الامريكية لمئات الملايين من المهاجرين، عندما رضخت لمطالب الحكومة اليمينية الاسرائيلية الحالية واعترفت باسرائيل دولة يهودية، تميز عنصريا بين المسلمين والمسيحيين العرب، وتسحب منهم حق المواطنة والانتماء الى بلد عاشوا فيه قبل قيام اسرائيل بآلاف السنين.
نحن مع حرية العبادة، ومع احترام جميع الاديان، وحفظ حقوق جميع اتباعها دون تفرقة او تمييز، فالدين لله والوطن للجميع، ولكننا لسنا مع استخدام هذه الورقة من قبل ادارة او ادارات امريكية هي اول من ينتهك هذه الحريات، بل وتؤيد وتساند من ينتهكها ايضا، وتكافئه على ذلك بالمساعدات المالية والعسكرية.
القدس العربي