(ويكيليكس) بقلم الدكتور يوسف رزقة

د. يوسف رزقة
مفكر وكاتب سياسي.


الثلاثاء, 30 نوفمبر, 2010, 22:18 بتوقيت القدس
د. يوسف رزقة (ويكيليكس) تغضب الإدارة الأمريكية . لا أحد يملك الوثائق اللازمة لتوكيد حالة الغضب هذه . لا أحد يمكنه الإجابة هل هي غضبة حقيقية أم غضبة شكلية ؟! هل حقا ما نشر يضر بالمصالح الأمريكية الخارجية ، ويهدد حياة الأفراد للخطر ؟! هيلاري كلينتون وصفت عملية نشر ربع مليون وثيقة سرية من الوثائق الأمريكية بالعملية (الهجومية) على أمريكا ، وأنها تعرض أمن أمريكا ومصالحها للخطر ؟! ما زال من المبكر تصديق ما تقوله (هيلاري) أو نفيه . ما زال المختصون في حاجة إلى الاطلاع على كامل الوثائق وتقييم ما نشر فيها ، وتحديد طبيعتها ، والوقوف على ما لم ينشر ، وما هي طبيعته ، ولماذا تم حجبه . وهل ما نشر كان من وراء ظهر الإدارة الأمريكية وأجهزتها الاستخبارية ، أم أنه ثمة تواطؤ بين الأطراف من وراء الكواليس ؟! الأمر يحتاج إلى وقت وإلى حكمة ، وإلى تقدير موقف يعتمد على معلومات لا على تحليلات فحسب .

وزير العدل الأمريكي هدد في مؤتمر صحفي بملاحقة ويكيليكس قانونياً ، ولكن السؤال لماذا لم تسبق الملاحقة القانونية ويكيليكس من قبل وقد نشرت وثائق مهمة مرتين قبل ذلك ؟! هذه الأسئلة تطرحها أوساط تتابع سياسات الدول ، والسياسة الأمريكية على وجه الخصوص ، وتبحث عن مدى استفادة الإدارة الأمريكية من التسريبات والنشر ومدى الضرر على مصالحها .ولسنا متعجلين الأمر ، ولا التقدير ، ويجدر بنا التريث لمعرفة الحقيقة ، والأمر الحادث ليس يسيراً أو هيناً في السياسة الدولية ، وفي رسم معالم المستقبل .

إنه ومع ما تقدم من أسئلة حائرة ، فإن ويكيليكس تعلن من خلال موقعها عن انتهاء عصر ما يسمى (سري جداً) أو (سري للغاية) ، وبدء عصر كشف ما تحت الطاولة ، ومن ثم إخضاع السياسة الخارجية لمنطق القوة ، والمكشوف والشفافية ، بعد أن عانت الإدارة الأمريكية من ازدواجية الموقف ، وثنائية الوجه ، في كثير من المواقع في العالم .

أمريكا تدرك أن ثقة بلاد كثيرة بالإدارة الأمريكية ستهتز وتضعف ، وأن الوثائق قد تفضح بعضاً من السياسات الأمريكية الخاطئة كالتجسس على الأمم المتحدة ، وجمع معلومات عن قادة ورؤساء ، والقيام بأعمال قذرة في الخفاء ، وأعمال تخالف القانون الدولي ، ولا تعبر عن احترام متبادل مع الآخرين . ولكن ربما تحقق أمريكا من وراء ما ينشر أهدافاً أكبر ، ومصالح كبيرة تسعى إلى تحقيقها من خلال عملية النشر والتسريبات .

نعم إنه لمن الوهم الثقة بالشبكة (العنكبوتية) ، ولكن من الوهم أيضاً الثقة بالسياسة الأمريكية ، وإن إغراءات الإدارة الأمريكية للقيام بأعمال سرية مع الآخرين لا يعني أنها حريصة على مصالح شركائها ، مصالح أمريكا فوق مصالح الآخرين ، لأن الأقوياء لا يؤمنون بالشراكة ، ويتقبلون خدمات الضعفاء بدون واجب الشكر والحفاظ على السرية ، ومع ما في هذه الوثائق من معلومات تستحق الدراسة إلا أن ما يتعلق بـ(إسرائيل) واليهود في العالم قليل أو نادر .

المصدر: صحيفة فلسطين