لسان من دون لغة
محمد أبو معتوق
أول أشكال الغربة.. اغتراب الكائن عن روحه ولغته.
وأكبر الهزائم, ليست تلك التي تكون على جبهات القتال, وإنما تلك التي تتحقق في الوجدان والثقافة واللغة.
العرب في هذه الأيام.. على شفا هزيمة قادمة في ثقافتهم ولسانهم ولغتهم... لقد اتسعت محطات البث التلفزيوني والإذاعي العربية حتى صرنا أكثر الأمم افتتاحاً للقنوات, قياساً بسوانا من الشعوب. ووضعت بعض القنوات اللبنانية والمصرية وعدد من محطات الراديو السورية الخاصة ال FM في خطتها أن تكون اللغة العربية لغة ثانية.. وربما عاشرة.
وتداخلت اللغات الأخرى في خطاب المذيعات الوسيمات المتباهيات إلى الحد الذي بتنا فيه لا نعرف أي لغة نقدم, ولمن نتوجه.
في البدء قلنا إن استخدام المصطلحات العلمية في الحوار والكتابة أمر جائز بسبب غياب البديل وتقصير مجامع اللغة العربية, فيما بعد قلنا لتكن اللهجات العامية لغة الحوار اليومي في القنوات التلفزيونية, عدا الأخبار اليومية التي تكاثرت فيها الخيبات والمنغصات إلى الحد الذي أصبنا فيه بعدم القدرة على الفهم.
ولأننا نميل أن ننسب عجزنا لسوانا.. لذلك لم نجد في هذا الكرنفال من الخيبات من يحتملنا سوى اللغة الفصحى، فرمينا عليها كل عجزنا وأخطائنا. وعندما قررنا قبول العامية. فوجئنا بأن العامية وحدها لم تعد مرغوبة إذا لم يتم تطعيمها بمفردات أجنبية مولدة ومستخدمة في غير سياقها ولولا الحذر من القوانين الدستورية والوضعية في سورية والتي تعتبر اللغة العربية الفصحى لغة العلم والثقافة والكتابة والطباعة, ولغة التلفزيون والراديو.. لرطنت مذيعاتنا ومذيعونا بلهجات وتحنكات بكافة اللغات دون العربية كمحاولة للتذاكي والإيحاء بأن الجمهور عايز كده.
رغم أن الجمهور الكريم وصل إلى مرحلة لم يعد يفهم فيها القصد من الكلام واللغة التي تبثها قنوت الراديو والتلفزة.
كاتبة مسرحية خليجية أخبرتني بأنهم في البيت لا يتحدثون سوى الإنكليزية, فقلت: ألا يجيد أفراد عائلتكم العربية. فقالت: بلى يجيدونها, ولكنهم مضطرون للكلام بالإنكليزية حتى يفهم الخادم والخادمة والمربية والسائق والطباخ, وحتى لا نضطر لتغيير لساننا في اليوم عدة مرات, لجأنا للحل السهل وتجاهلنا اللغة العربية.
أما أولادنا.. فالمربيات والخادمات هن وحدهن من يخترن لهم اللغة التي سيتحدثون بها إذا كبروا في الأيام القادمة. فقلت: هل تكبر الأمة إذا تمت صناعة لغتها وثقافتها بواسطة الخادمات والمربيات والسائقين والطباخين والمذيعين والمذيعات.. إن كانت تكبر كذلك.. فنحن بحاجة إلى حل يشبه المعجزة.