التضليل الثقافي.. من هم ضحاياه؟!
سالم القمودي
التضليل الثقافي هو التضليل الذي يمكن تبين ملامحه في كل عمل يهدف إلى صرف أنظار الناس عن قضاياهم الحقيقة، وعما يعانون منه في واقعهم السياسي الثقافي الاجتماعي من استبداد وطغيان، ومن احتكار للرأي والقرار، ومن توجيه لحركة الفكر، ولحركة المجتمع السياسية الثقافية، وهو التضليل الذي يمكن تبين ملامحه كذلك في ممارسات التزييف والتجهيل التي تقوم بها السلطة، أو تشجع الآخرين على القيام بها، من خلال إقامة الاحتفالات والمهرجانات، وتخصيص الجوائز المالية المغرية في مختلف المجالات السياسية والثقافية والفنية، دون اعتبار، أو اهتمام لحقيقة ما يقدم من خلال هذه الاحتفالات والمهرجانات من فكر وأدب وفن، وعلاقة ذلك بما يعاني منه الواقع الثقافي من إشكاليات، وما تتطلبه هذه الإشكاليات من حلول عملية، ومدى قدرة ما يقدم على تشخيص هذا الواقع، ومدى قدرته على إيجاد تلك الحلول.
وهو ما نراه في الإهمال الشديد للفكر، كفكر، أي كأفكار وقضايا خالصة، وكنظريات سياسية أو اقتصادية، وكمناهج وأبحاث ودراسات، كبحث علمي، أو كبحث منطقي موضوعي عن حلول عملية، عن حلول حقيقية للمشكلات، عن حلول عملية للمشكلات السياسية الاقتصادية الاجتماعية التي نعاني منها في واقعنا السياسي الاقتصادي الاجتماعي.
وهو نراه كذلك في الإهمال الشديد لمؤسسات الفكر من جامعات ومراكز بحث ودور نشر وكتب ودوريات، ومن عدم اهتمام بما تنتجه، أو بما تتوصل إليه من نتائج أو من أفكار وقضايا، ومن حلول للمشكلات السياسية الاقتصادية الاجتماعية، ومن إهمال للمفكرين والعلماء الدراسين والباحثين ولإبداعاتهم كتاباتهم، ولآرائهم وتحليلاتهم للواقع السياسي الثقافي الاجتماعي، الذي هو في الحقيقة إهمال للفكر الذي به تنهض الأمة ويتقدم المجتمع. وهو ما نراه في محاولات السلطة، العمل على تقريب بعض من الكتاب والصحفيين والشعراء والفنانين منها، في حلها وترحالها، لكسب ودهم واستثمار أقلامهم وأصواتهم وفنونهم، واستغلالها لتوجيه حركة الفكر في المجتمع، والدفاع عن أفكارها وقضاياها ونظرياتها التي تعمل على تطبيقها. بل هي تستغل أقلامهم وأصواتهم وفنونهم لتضليل الآخرين، ودفعهم إلى تبني أفكار وقضايا ومواقف السلطة، من خلال إظهارهم لهذه الأفكار والقضايا على غير حقيقتها، ومن خلال تزيين صورتها في أذهان الآخرين.
وهو ما نراه_ من جانب آخر_ في الاهتمام الشديد بالفن والفنانين، مهما كان مستوى ما يقدمونه من (فن)، مهما كانت درجة أصالته، ومهما كانت قيمته الفنية كإبداع، أو كفن ينبغي أن يقوم على فكر حقيقي صادق، ويؤدي رسالة فنية ثقافية اجتماعية، يمكن أن ترقى بأذواق الناس وأفهامهم وتصرفاتهم وممارساتهم في الواقع الثقافي الاجتماعي.
إن طغيان الغناء وكثرة المغنين والمغنيات، وأشكال وألوان ما يقدمونه، وابتذال الكلمات والألحان على هذا النحو الذي نراه ونسمعه... على هذا النحو الذي لا يسمو بعاطفة، بل يؤججها، ولا يحفظ غريزة من اندفاعها نحو الشهوة اللذة والمنفعلة، بل يزيدها اندفاعا وتهورا. وكذلك كثرة المهرجانات والاحتفالات والاهتمام المتزايد بها، إنما هو طغيان على الفكر... طغيان على القضايا الحقيقية للأمة، وتخدير لعقول الشباب، وإشاعة للوهم والتجهيل بين الناس، وإهمال واضح للمشكلات الثقافية الكبرى التي تعاني منها الأمة، ولم تتوفر لها الحلول العملية بعد، والتي من أهمها، أو على رأسها قضايا الثقافة نفسها، هذه القضايا التي تقود أو توجه حركة الفعل والتصرف والمسلك في الواقع الثقافي الاجتماعي.
إن الفن رسالة... كلمات وألحان وموسيقي... يفترض أنها تنبض بالحياة... تتحرك نحو السمو... تقود المشاعر نحو الخير... نحو الفضيلة... وتربي العواطف... وترتقي بالإحساس... وتدفع من ثم إلى العمل... إلى الإنتاج... إلى الابتكار.. وليس هو صورة خادعة، براقة تؤجج الغريزة... وتدفع إلى الفاحشة والسوء...