البورتريت في الصحافة
بقلم : الدكتور عبدالباسط سلمان
هناك حاجة ماسة لصور البورتريت في الصحافة وذلك لان أكثر الأخبار والتحقيقات الصحفية او الإعلانات او ما شابه ذلك تحتاج وباستمرار إلى صورة بورتريت بشكل مستمر فالصحف على سبيل المثال حين تستعرض تحقيق صحفي عن مؤتمر اقتصادي او سياسي او علمي بالتأكيد سيكون هنالك متحدث عن ذلك المؤتمر وهذا المتحدث يلاحظ انه من الضروري إبرازه او تعريفه في التحقيق، لذا كان من الضروري أن يكون لذلك المتحدث صورة بورتريت، وكذلك هو الحال مع التصريحات او الأخبار فهناك حاجة ملحة لصور البورتريت في تغطية الخبر او الموضوع الصحفي، وهو ما يدعو في بعض الأحيان إلى إبراز كم من الصور الشخصية كصور اللاعبين في فرق كرة القدم الذين يسجلون الأهداف او أولئك السياسيين الذين يدلون بتصريحات مهمة على الساحة السياسية او أولئك المجرمين على سبيل المثال حين تركز عليهم الأخبار او شخصيات أخرى مهمة تلعب دور مهم في الصحافة.
في الاخبار الفنية الصحفية تكون الحاجة الى صور البورتريت في أفضل أحوالها وأفضل نتائجها وذلك لان اغلب الفنانين يوزعون صورهم للصحف وهي مصورة قبل اجراء التحقيق او تحرير الخبر عنهم في الصحف، فأولئك الفنانين يحملون من الذوق الجمالي ما يؤهلهم الى الاعتناء بالصور الخاصه بهم عمن سواهم، فهم مدركين اهمية الاعلام والصحافة ومدركين ان الصحف والمجلات بحاجه مستمرة لاخبارهم لذا يحملون معهم باستمرار صور بورتريت مصوره بأفضل استوديوهات التصوير ومن قبل مصورين متخصصين بالبورتريت في مجال التصوير، وذلك لقناعتهم بان المصور الصحفي يلتقط صور البورتريت على عجاله، لينشرها باسرع وقت بغية نشر الخبر في الصحيفة باسرع وقت، وهذه العجالة في الواقع تحقق نتائج لاترضي الفنانين في اغلب الاحيان، لذا نرى الفنانين على العكس من السياسين او الرياضيين او الشخصيات الاخرى التي يلتقط لها صورا لحظة اجراء التحقيق او خلال اجراء اللقاء.
يلاحظ ان التصوير للبورتريت في الصحافة يتمتع بأمور مهمة جدا اهمها ان يكون البورتريت معبر عن الموقف الذي اجري الحديث او اللقاء او التحقيق من اجله، فعلى سبييل المثال لايمكن ان نلتقط بورتريت لرئيس اركان احدى الجيوش العملاقة يتحدث عن حرب ستنشب وهو يرتدي مايو على شواطيء جزيره هاواي، بل يجب ان تكون اللقطة لذلك الرئيس بزي رسمي وانفعال مميز يعبر عن خطورة الموقف الذي يتحدث عنه، كما لايمكن ان نلتقط صورة لذلك الرئيس وهو غالق عينيه بالصدفة او انه جالس في حفل راقص لتظهر صور الرئيس غير ملائمة للحدث، فلابد ان يدرك المصور الحدث الذي اتى من اجله ويصورالشخصية بمجموعة من الصور التي يمكن ان تعبر عن الحالة او الموقف الذي هو بصدده.
من الامور المهمه في تصوير البورتريت في الصحف هو النظرات لتلك الشخصيات فأمر مهم ان تكون الشخصية المراد تصويرها لا تنظر الى عدسة الكاميرا، حيث ان هذا الحال يقود الى ان يشعر القاريء بأن الصورة غير حقيقة ونعني بغير حقيقية هو ان هذه الصوره هي صورة ليس من قلب الموقف او الحدث الذي تتناولـه الصحيفة، كون ان المتحدث صاحب البورتريت غير مبال للمو ضوع الذي يتحدث عنه ومهتم بالصورة الملتقطة له، لدرجة انه توقف عن الحديث والتفت للصوره، وهذا الامر بالواقع ليس في كل الاحوال او الظروف مناسب وذلك لان هناك من المواقف ما تتلائم في ان يظهر المتحدث وهو ينظر للكاميرا كان يعبر المتحدث عن امتنانه للمجلة او الصحيفة التي ستعرض التحقيق او الخبر عنه او انه يهدي صورته لمتلقي الصحيفة او المجلة او ما الى ذلك.
أمر آخر مهم في تصوير البورتريت بالصحافة ألا وهو خلق التأثير بالصورة من خلال الحركة التي تكسر الجمود في الصورة، فالمتحدث الذي تلتقط له صورة البورتريت لابد ان تكون له حركه من خلال وجهه او يديه او من خلال نظراته او أفعاله التي يمكن ان تحدث او تكون مستحبة في الصحافة كان نصور على سبيل المثال مدير لمدرسة وهو يمسك طالب صغير من طلابه ويمشي معه او ان يمسك ذلك المدير بقلم في يمينه ونظارة في يساره وهو يتحدث او ان يمسك رئيس للجنة اولمبيه او وزير للشباب كره قدم ويصرح عن موعد أقامه بطولـه كأس العالم لكرة القدم، او ان يمسك مطرب مثل كاظم الساهر مايكروفون او أمور أخرى كثيرة عديد يمكن للمصور الذكي ان يحققها في تصويره، وليس بالضرورة ان تكون كل الصور تلقائية ومن ذات نفسها عبرت عن الموقف او الحدث الذي ينشر في الصحف، بل من الممكن ان يقوم المصور بفعل هذه الأشياء بالاتفاق مع الشخصية التي يقوم بتصويرها، فعلى سبيل المثال قمت بتصوير رئيس جامعة بغداد مرات عديدة لكي ننشر صوره في الصحف وفي كل تلك المرات اتفقت بها مع رئيس الجامعة على الحركة التي يظهر بها وكذلك هو الحال مع وزير التعليم العالي الذي اتفقت معه بأن يمسك قلما بيده وينظر إلى يمين الكاميرا قليلا، وكذلك هو الحال مع العديد من الوزراء والنجوم والشخصيات السياسية والعلمية المهمة التي قمت بتصويرها، ولكن هنا لابد من أن يعرف المصور مسالة مهمة في هذه الحالة، ألا وهي ان لا تظهر الشخصية مفبركة في الصورة، أي ان لا تكون في الصحفية عبارة عن شخص يمثل للحالة التي يريد ان يقولها بحركته، بل يجب ان تكون طبيعيه جدا خاليه من اي تكلف او تصنع، وهنا يدخل جانب الإحساس في هذه الحالة، اي ان المصور لابد من ان يبتكر موقف يشجع على ان تظهر الصورة خالية من الفبركة، وبالطبع مثل هذا الأمر لا يمكن لأي مصور ان يقوم به بل هو امر غاية في الصعوبة، لذا تطلب ان تكون هناك خبره وتمرس ليتحقق ذلك، وهو ما قاد أكثر المصورين الذين لا يجيدون مثل هذا الابتكار جعلهم يلجئون الى تصوير كم هائل من الصور للمسئولين او الاشخاص الذين يراد تصويرهم ومن ثم يتم اختيار صوره واحده فقط من بين تلك الصور، والواقع ان هذا الامر يحدث ليس فقط مع المصورين قليلي الخبره، بل يكون حتى مع المصورين المتميزين الذين يلتقطون كم هائل من الصور لشخص مهم كان يكون رئيس جمهورية ومن ثم تختارون صوره واحده من بين عشرات الصور، وهذا الامر ليس تقليد مع كل المصورين ومع كل الصحف او مع كل الشخصيات ذلك لان هناك شخصيات تظهر في الصفحات الداخليه للمجله او الصحيفه ولا يمكن ان يصرف عليها من المبالغ بتصوير كم هائل من الصور، ثم ان ليس كل صور الشخصيات هي بأهميه صورة رئيس جمهوريه او ملك دولة او رئيس وزراء.
هناك امر مهم اخر في تصوير البورتريت في الصحافة، وهو حسن التصرف والسلوك للمصور فالمصور وكما يرى البعض، هو اشبه بالمخبر السري الذي يتحرى عن الاحداث بل ان عمله في بعض الاحيان يكون اصعب واعقد من عمل المخبر كون انه سيلتقط صور تفضح بعض الناس الذين لايرغبون الظهور في الصحف بعض الاحيان، او ان من الناس ممن يشككون في عمل المصور ويعتقدون ويظنون به كل الضنون السلبية، اذن تحتم على المصور ان يكون على قدرة من المجاراة والمداراة، وهي كما حددها توماس بيري في الصحافة اليوم ( المصور الصحفي الناجح يجب ان يتمتع بقدره على مجارا ة الناس ومداراتهم )(1)، والواقع ان هذه الميزه تقترن وكما ذكرنا بحسن السلوك والتصرف من خلال اخلاقه الحميدة التي لابد ان يتمتع بها، فالمصور هو شخص يعتمد عمله على اولئك الناس الذين يصورهم وما لم يكن تعامله معهم لطيف ومهذب ستكون الحالة سيئة للغاية في عمله حيث ان أولئك الناس سيقومون بطرده، او منعه من التصوير بمجرد أنهم حسوا بأن ذلك الشخص متعالي عليهم او انه يقلل من شأنهم، وبالتالي ستكون هناك استحالة في تحقيق العملية التصويرية خصوصا وان المصور الصحفي ملزم بوقت محدد لتسليم صوره، وأي تأخير في موعد تسليم الصور ستكون العواقب سيئة وغير مرغوبة، لذا كان لزاما على المصور ان يحترم الناس لكي يساعدوه في عمله، خصوصا في تصوير البورتريت، حيث ان البورتريت يتطلب وضع خاص بان يقترب المصور من الناس إلى مسافات تصل إلى بضع السنتيمترات الأمر الذي يحتم وجود قناعة من وألئك الناس بشخص المصور ليحصل منهم على ما يريد من صور بورتريت، إضافة إلى ان البورتريت بالأساس يقترن على ما في داخل ذلك الشخص الذي نريد تصويره فعلى سبيل المثال لا يمكن ان نلتقط بورتريت لشخص وهو في حالة غضب او هستريا ذلك لان حالة العنف او الهستريا ستنعكس على وجهة ومن ثم تظهر في الصورة نتائج غير متوخاه.
---------------------------------
(1) توماس بيري – الصحافة اليوم، ترجمة مروان الجابري، مؤسسه بدران للطباعة النشر، بيروت 1964 ص 511