قناة 'ناشيونال جيوغرافيك': السيطرة الصامتة
'من القنوات التي تلقى شعبية كبيرة بين اوساط المتفرجين العرب، قناة 'ناشيونال جيوغرافيك'، وهي من القنوات التي دخلت حلبة صراع الفضائيات الموجهة تجاهنا كمشاهدين عرب. وعلى عكس القنوات الاخرى ذات الطابع الاخباري تميزت 'ناشيونال جيوغرافيك' كونها قناة وثائقية وما يلفت الانتباه نجاح هذه القناة في وقت قياسي في اجتذاب شريحة واسعة من المشاهدين.
عرفت 'ناشيونال جيوغرافيك' في البداية كمجلة علمية ثقافية صدرت لاول مرة العام 1888 عن الجمعية الجغرافية الوطنية الامريكية. وقد مرت المجلة بمختلف مراحل'تطور الطباعة والاشكال الصحافية. ولعل الانتقال الى المجال المرئي اعتبر نقلة نوعية'باعتبار ما للتلفزيون من ثقل وأهمية كبيرين.
لكن ما يلفت الانتباه في هذه القناة تركيزها على برامج تصورالعالم بوصفه مجموعة من الاماكن اللطيفة التي تستحق الزيارة، والتي تخلو من حيث طبيعتها الاساسية من أي صراع أو نزاع، وكمتلقين عرب لم نشاهد برامج تتحدث عن منطقتنا الا القليل، فالقناة تماما كالمجلة ترفع شعار تحاشي الموضوعات الخلافية والجدلية، ففوهات البراكين والصحارى وسلاسل الجبال وناطحات السحاب لم تشكل في يوم من الايام مادة للجدل والخلاف.
لكن لا المجلة ولا القناة التزمتا بهذا الشعار فالقناة اتهمت السنة الماضية من قبل مجلس العلاقات الامريكي الاسلامي (CAIR) بتشويه الحقائق أثناء عرض برنامج يتطرق للاسلام، اضافة للعديد من التلفيقات والتزويرات التي نسبت اليها.
ان القناة تصب في خدمة المصالح الامريكية من حيث توجهها، وذلك في اطار سياسة القوة الناعمة لتحسين صورة الولايات المتحدة. وتاريخ 'ناشيونال جيوغرافيك' حافل بالعديد من الامثلة والحقائق التي تؤكد الانحياز واللاموضوعية اذ يؤكد توم بكلي أستاذ التاريخ الامريكي في استعراضه لتاريخ 'ناشيونال جيوغرافيك' على أنها واكبت الطموحات الامريكية نحو التوسع الخارجي، وقد ساهمت استطلاعات المجلة ومقالاتها المكتوبة بنفس استعماري توسعي الى جذب اهتمام الادارة الامريكية ومن ورائها الامريكيون من ذوي النفود والمتطلعين نحو العالم الخارجي.
ولعل مشروع قناة بنما أفضل شاهد على ذلك فناشيونال جيوغرافيك وفرت المناخ المناسب عبر استطلاعاتها المكثفة للمنطقة وبعد شق القناة راحت تتحدث بحماس واندفاع كبيرين عن الاعمال التكنولوجية الرائعة التي أنجزها المهندسون الامريكيون في شق هذه القناة. وخلصت الى أن شعب بنما حظي بشرف الاستفادة من التقنيات الهندسية والعلمية التي ستمكنه من السير بخطى ثابتة نحو التقدم والرخاء.
تماما كالعراق الذي سيكون واحة الديمقراطية الغناء في المنطقة، حسبما روجت ادارة بوش وان التقارب الامريكي العراقي'(لا الاحتلال) سيمكن الشعب العراقي من النهوض والازدهار بعد معاناة طويلة من الفقر والغبن وأن هذا التقارب سيعود بالنفع لكلا الشعبين الصديقين.
الخطاب لا يزال نفسه لكن آلياته تتغير مع الزمن ففي الحالتين البنمية والعراقية نتحدث عن شعب يتطور ويتحفز للنهوض ولا نتحدث عن احتلال وسيطرة أو تقتيل وابادة...هذا هو التضليل بعينه.
اننا نتفق تماما على ان قناة 'ناشيونال جيوغرافيك' تمتلك من الامكانيات والوسائل والتقنيات المتطورة ما مكنها من ترسيخ مكانتها بين كبريات القنوات الوثائقية في العالم. لكن هذا لا يمنعنا من وضع علامات استفهام وتحفظ على محتوى برامجها المليئة بالمغالطات والتضليل.
وعلينا أن نضع مساحة نقدية شاسعة لتمحص وتفحص ما تقدمه هذه القناة، 'فناشيونال جيوغرافيك' تعتمد تقنية الابهار وتعدد زوايا التصوير مستغلة جمالية الصورة وحسن توظيفها في تمرير رسائل وخلفيات يجهلها المشاهد العادي.
ووسط مشهد اعلامي مفتوح لكل المشارب والخلفيات بات من الضروري تحصين أنفسنا وتسليح عقولنا بدرجات عالية من الوعي من أجل بلورة فهم واضح وشامل لمختلف القضايا والموضوعات المطروحة، فالقصف اليوم لم يعد يقتصر على البنى التحتية والبيوت بل طال العقول لهذا وجب الحذر من سياسة قصف العقول لانها أشد خطورة وفاعلية من الحروب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]