كتب الدجل المعرفي، والشعوذة الفكرية ..
د.أنوار عبد الله أبو خالد
**** أكثر مايحز في نفسي حين تأتيني في عيادتي (سيدة محبطة) ، تشكو الكآبة ، وتئن من اليأس ، وتسب واقعها الذي يرفض ان يتعدل او يتغير مهما حاولت ان تفعل ، وعندما أسألها ماذا صنعتِ لمحاولة تغيير واقعك؟ ، تخبرني انها قرأت كتبا في ادارة الذات وتعديل البرمجة اللغوية العصبية ، وحضرت دورات تدريبية في تطوير المهارات ، ولكنها لا زالت بلا زوج وبلا عمل وبلا هدف وبلا سعادة ، وعندما أسألها عن خطواتها العملية الفعلية التي تتطلب فكرا وحركة وعملا لتغيير هذا الواقع ، فإنها لن تحير لي جوابا ..
**** هل يعقل في هذا الوقت الذي تنور العالم فيه بنور المعرفة والعلم والتجربة ، ان تأتينا كتب حديثة غصت بها المكتبات ، تخلط العلم بالشعوذة الشرقية ، وكتب تزوق المعرفة بالاوهام الغربية ، وكتب تستخرج من الطقوس الوضعية هرطقات جاهلية ، ومن التقاليد البائدة اسرارا كاذبة؟! كتب اهدافها مشبوهة فأهداف ترتبط بالارباح المادية ، واهداف لزعزعة ايماننا وعقيدتنا وقيمنا الاخلاقية والاجتماعية وبمسلمات العقل والمنطق ، كتب تنتسب زورا وبهتانا الى علم النفس اوالسلوك اوتطوير الذات اوالبرمجة اللغوية العصبية او إدارة الذات ، فخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فأفسد الاواخر منهم ماقدمه الاوائل المحسنون ، لانهم ادخلوا في الفن ماليس منه ، واقحموا في العلم ما هو بريء منه ، وسطروا في كتبهم احلاما لايمكن ان تحدث ، واوهاما يستحيل ان تصير واقعا ، وعندما تقرأ طلاسمهم تشك احيانا في قدراتك على الفهم والاستيعاب ، فتستعين بالله وتعكف على الكتاب ساعات تعيده وتقرأه بصوت مرتفع وتتناول كاسات من الشاي والقهوة ، فلا يزداد الكلام الا تعقيدا وطلسمة ، واكثر ماتعجب له حين يقترح عليك الكتاب ان تفهم مايريده حتى وإن اصطدم بمسلّمات عقلية اوخالف حقائق فعلية ، يطلب منك ان تدخل الفيزياء الكمية في علم النفس ، او ان تقحم الرياضيات والاعداد اللانهائية في علم السلوك ، وان تدخل الكهرباء المغناطيسية وخطوط الطاقة في تطوير الذات والنفس وان تقوم بالطقوس الصوفية فتتمنى ولاتعمل وتتكل ولا تشتغل وتتمنى الاماني لتكتشف سرا عظيما اسمه قانون الجذب الساذج ..
**** كتب يقوم على تأليفها اشباه المتعلمين ، فما ان يحصل احدهم على دورة تدريبية لمدة اشهر معدودة حتى يمنح شهادة تخوله بالحديث فيما لا يحسن ، فيعقد الندوات والدورات التدريبية ويؤلف الكتب في مجال علوم النفس وتطوير الذات وتنمية المهارات ، ولكي يصبح له قيمة وتميز عمن سبقوه من العلماء المتخصصين ، فانه يخلط دجل الشرق وترهات الغرب وثقافات الامم المتخلفة وافكار الاقليات الجاهلة التي عفا عليها الزمن وقمعها العلم التجريبي ، وفضحها قبل كل هذا الوحي السماوي من لدن خالق النفس والارض والسماء ..
** مشكلة هذه الكتب انها تبيع الوهم ، وتعد الناس بالغنى ، وتبشر بالنجاح ، ولكنها وعود زائفة لا تبنى على خطوات علمية ولا على علم مقنن ولا على خبرات محققة ، فقد تعدك بالغنى بعد سنة او سنتين شريطة ان تبقى متفائلا ، اوتعدك بالنجاح والترقية شريطة تكرار كلمات كالببغاء ، او تعدك ببيت وسيارة وزوج ، شريطة ان تستخدم قانون الجذب ، واشياء اخرى لا تتناسب ابدا وعقول القراء ..
**ولأن التعميم هنا مظنة الخطأ ، فانا هنا لا اعمم فهناك كتب جيدة في هذا المجال ، ولكني انبه هنا إلى بعض الكتب والمترجمات والمحاضرات والدورات التي استغلت عقول الناس واموالهم ، بشعارات براقة ، وعبارت مبالغ فيها ، تعدهم وتمنيهم ، وماتعدهم الا الوهم والحزن والكآبة واليأس القاتل ، وهم لم يُبنَ على خطط علمية ولا على حركات فعلية تستخدم فيها العقول والايدي والارجل لتسعى في ارض الله ، وأسوأ من هذا كله انها افكار لا تتناسب مع الواقع ولا تحترمه ، بل ولا تحترم مبادئ معلم البشرية صلى الله عليه وسلم عندما قال ( اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ) فالعمل والحركة هي اولى خطوات تغيير الواقع ..