من أشهر العبارات التي أصبحت تعرف رواجا في هذا القرن وهي (أن من يملك المعلومة يملك
القوة) ، عبارة حملتها ألفاظ موجزة ولكنها تدل على عمق التحديات التي تعرفها
وستعرفها الإنسانية من خلال هذا السلاح الذي أصبح يوجه العالم لحساب من يملكه،
عبارة أعطت صورة بأن التقنية والإعلام أو بجمعهما (التقنية الإعلامية) هي من أهم
الوسائل و الأدوات التي تساهم في تثبيت هذه الفكرة، فلا يمكنك أن تتحصل على
المعلومة خارج إطار التقنية أو خارج الإعلام بكل صوره.
و لتصوير
الفرق الحاصل في ميدان التقنية يقول خبراء الاقتصاد أن أكثر من 45% من المواطنين
في الغرب ارتفع دخلهم بسبب التقدم التقني أي في ميدان الاستثمار التقني و التطوير
البحثي الذي حقق فوائد كبيرة مقارنة بغيره من المجالات الاستثمارية الأخرى، فما
يطرح كإشكال في هذه الحالة أين موقع العالم العربي من هذه الحركية التقنية
الإعلامية؟
العالم
العربي..والاستثمار الناقص
اعتبر
مجموعة من الباحثين أن معظم عمليات التصنيع والاقتناء التكنولوجي التي قام بها
العرب خلال نصف القرن الماضي لم تحقق فائدة كبيرة، استثمر العرب بين 1980 و1997
أكثر من من2500 بليون دولار في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي(1)، غير أن هذا
الاستثمار لم يرافقه نقل حقيقي للتكنولوجيا ، بل نقل لوسائط الإنتاج، ويعود أساسا
سبب هذا التأخر في كون العالم العربي ينقل (السلع التكنولوجية) من دون أن يسعى إلى
(توطين التكنولوجيا) لديه، ويعود هذا إلى غياب برامج عربية مهتمة بالعلم والتكنولوجيا
واقتصار عملها على الاستثمار وسائل التجهيز وإنهاك للخزينة العمومية في كل الأقطار
و إضعاف وإهمال في نفس الوقت للقدرات المعرفية بداخله ( أي الكوادر المعرفية
العلمية المؤهلة).
ومما
يذكر في هذا المجال أنه برغم أن الحالة العامة تتصف بالانغلاق إلا أن هناك تجارب
تحاول الخروج من نمطية الصورة المفروضة وذلك من خلال الخروج بمشاريع تهدف إلى
توفير شبكات رابطة داخلية وخارجية من اجل إنجاح العمل التكنولوجي و كمثال على هذه
التجارب الفتية نجد (المؤسسة العربية للعلوم و التكنولوجيا)(2) بالشارقة و التي
تأسست سنة 2000 بهدف خلق قطب ائتلاف بين العلماء العرب وكذلك من أجل خلق إطار
مؤسساتي يتم من خلاله إقامة روابط مستدامة مع المختبرات الغربية و تمويل البحوث
العلمية و دعم علماء عرب مقيمين في الخارج. وتعتبر سياسة الربط بالخارج من أحدث
الطرق التي تسعى الدول و المؤسسات العلمية العربية إلى الأخذ بها، أي أن هناك
تحركات في إطار تفعيل التعاون الدولي ويذكر هنا ما تقوم به الدول العربية حاليا من
خلال برامج عديدة للتعاون التكنولوجي بدعم من الاتحاد الأوروبي بين المؤسسات
التكنولوجية في البلدان الأوروبية ومؤسسات متعاونة في بلدان عربية وقد كان مؤتمر
برشلونة للتعاون الأورو- متوسطي من المؤتمرات التي جسدت هذا التقارب التقني من أجل
تقليص الهوة ونقل التكنولوجيا من خلال رفع وتيرة المساهمة في مشروعات بحث
مشتركة.وتم توزيع هذه المشروعات بحسب النسب التالية: المغرب بنسبة 25% و تونس
بنسبة 28% ثم مصر بنسبة 17% ثم الجزائر بنسبة 09% أنا باقي الدول من الأردن و
لبنان و سوريا وفلسطين فقد تراوحت بين (08 إلى 04 %).
وسائط
الاتصال.. مشاريع الأفق
بالنسبة
للاتصالات بالأقمار الصناعية فإن للعالم تجربة حديثة وناجحة بمقاييس معينة و هي
تجربة (القمر الصناعي نايل سات ) هذا الأخير المخصص الإعلام والقنوات التلفزيونية
الرقمية و هناك (قمر الثريا) المخصص للاتصالات.ولكن من جهة أخرى لو أردنا أن نقوم
بمسح عام لمدى امتلاك الوسائط (الأرضية) في المجتمع العربي فسنجد أن الحاسوب و
الذي يعد معيارا أساسيا لقياس استيعاب التكنولوجيا فإن الأرقام تشير إلى تراجع
البلدان العربية في هذا المجال ، فيوجد اقل 18 حاسوب لكل 1000 مقارنة مع المتوسط العالمي
و المقدر ب 78.3 حاسوب لكل 1000 فرد(3).أما فيما يخص استخدام الانترنت فتشير الإحصائيات
إلى أن المستخدمين يقدر ب1.6% من سكان الوطن العربي، ويعود هذا إلى أسباب متعددة
منها:
• ضعف مستوى المعرفة
بالحاسوب وهذا يتطابق مع ما يعرفه العالم العربي من ارتفاع لنسب الأمية كأهم محور
في التنمية البشرية.
• ارتفاع أسعار الخطوط
ورسوم الاشتراك وإن كانت تعرف حاليا تدحرجا إلى الأقل إلى أنها ما تزال بعيدة عن
فئات كبيرة من المجتمعات العربية.
و إن
كانت هناك مبادرات ومشاريع عربية سمعنا بها مؤخرا غير أننا لم نجد عنها توضيحات
كبيرة ومنها (م شروع الكيبل ) والذي سيربط أكثر من 100 دولة منها14 دولة عربية
تشارك فيه السعودية والإمارات والأردن ومصر و (مشروع أفريكا) الذي تشارك فيه
المملكة العربية السعودية (4)
الإعلام
العربي.. غرق في الجمود والسطحية
قد يكون
من غير الجديد أن نقول أن الإعلام العربي هو الإعلام الوحيد الذي يعرف سيطرة كبيرة
من قبل الدولة، وليس بالجديد أن نقول أن الوسائط الإعلامية حاليا تساهم بكل
أنماطها (إذاعة او تلفزيون) تسهم بقدر كبير في تكريس سياسات الدول الترويج لها
وتجاهل أو تهميش أي صوت معارض لها خصوصا وان البلدان العربية يعتبر الإعلام الثقيل
من أهم القنوات التي يمكن للحكومة أن تمرر من خلالها كل ما ترغب في إيصاله
للمواطنين، هذا خلق نوعا من الخنق للتجارب الخاصة أو الإعلام الحر الذي يسهم في
فتح قنوات ومجالات وآفاق جدية أمام المشاهد العربي، فإن كانت بعض الدول العربية قد
تبنت سياسة فتح المجال الإعلامي أمام الخواص (مصر، لبنان) إلا أنها لا تعبر بحق عن
حرية أو ديمقراطية حقيقة في نشاطها، ويبقى الإشكال مطروحا حول هامش الحرية المتروك
لهذه الوسائط في تأدية رسائلها إن كنا نرى مثلا أن هناك قنوات مصرية متعددة و
كثيرة تقارب 30 قناة لكنها لا تخرج عن فلكالترويج والمدح والتمجيد فأي تنوع هذا…؟.
أما عن
الصحافة المكتوبة فرغم سماح الدول العربية بصدور صحف مستقلة أو تابعة للأحزاب مثل
الجزائر ولبنان إلا أن ذلك لا يعد صورة جدية عن الانفتاح الإعلامي في الوطن العربي
هذا ما دفع إلى التوجه في الفترة الأخيرة إلى ما يعرف بالصحافة الإلكترونية، فرغم
السباب المذكورة آنفا حول التعامل مع الانترنت إلا أنها تعد فضاء واسعا وطليقا
للنشر وللتعبير، غير أنه بالعودة إلى وضعية الصحف في الوطن العربي نجد أن 53 صحيفة
لكل ألف مواطن عربي أي ما يمثل 3.5% في حين تتضاعف في الغرب إلى 05 مرات ، فكيف يمكن
لهذه الوسيلة الإعلامية أن تؤثر في الرأي العالم..؟
وطن الغنى
و الفقر
بعبارة
وجيزة في تقرير التنمية البشرية لسنة 2003 يمكن أن نجمل الوضع العام للوطن العربي
حيث ذكر التقرير بإيجاز ( غني أكثر مما هو متطور…) ولا يمكن أن نقول أكثر من هذه
العبارة التي أعطت صورة حية عن علم عربي يعيش فوق بحار من النفط ويكسب ملايير
الدولارات لدى نخبة منه ويملك المساحات الواسعة والقدرات البشرية الكثيرة المؤهلة
منها و المهنية، غير أنه يعاني التخلف و يرتب في أسفل القوائم، فأين الخلل؟ ألا
يمكن أن نجد لنا مكانة في عالم اليوم ولو في ميدان واحد عله يفتح لنا الباب و يفتح
الشهية للميادين أخرى. كل هذا مربوط بنخبة مثقفة واعية ونخبة حاكمة مدركة للتحديات
ومدركة لمعنى التسيير العقلاني السليم… لكن العيوب كثيرة والحلول عديدة ولكن الحديث
وحده لا يكفي فنرجو أن يكون هناك لإدراك للواقع و للمستقبل بصورة أكثر جدية.