مريم النعيمي
على الفضائيات أن لا تستكثر على المشاهد الطموح أن تقدم له جرعات ثقافية مركزة، فتوفر له كادرا إعلاميا يحرص كل عضو فيه على بناء وعيه، وتقوية علاقته بالمعرفة بما يضمن له مخزونا متجددا من المعلومات التي تساعده على تطوير أدائه، وتقوية خطوط الاتصال بينه وبين جمهوره.
جدليا ليس هناك خلاف على أهمية ثقافة المذيع في رفع مستوى البرنامج الذي يقدمه، واستقراءً لما هو كائن نلحظ تقصيرًا مفرطا من جانب بعض مذيعي التلفاز في بناء شخصيتهم العلمية، مما ينعكس على أدائهم الذي يأتي دون التوقعات، ومن ثم تضعف المخرجات الناتجة عن أعمالهم المتلفزة.
فالمذيع الناجح ليس هو ذلك التلميذ المهذب الذي يوجه أسئلته بأدب جم لضيوفه في البرنامج، وتنقصه الرؤية لتحديد مسارات الحوار، والتركيز على المحاور الهامة بها، وتجاوز الأفكار العادية التي قد يقولها الضيوف بينما لا تستحق الوقوف الطويل أمامها.
ثقافة المذيع هي التي تحدد شكل الحوار، وتلونه بلونها الجذاب، وهي التي تضع بصمتها الخاصة على البرنامج الذي يقدمه إعلامي يجتهد في تطوير إمكاناته الذاتية، وثقافته الشخصية أولا بأول.
البصمة الخاصة للمذيع تكشف ثقافته وتظهر مدى قدرته على استقطاب المثقفين والمتميزين إلى برنامجه، كما تعكس تمكنه بتقديم متكاملة يضع فيها لمساته الخاصة، وإضافاته الذكية، ويظهر من خلالها براعته في توجيه الحوار إلى الوجهة التي تخدم أهداف برنامجه.
كما أن المذيع الجيد ليس هو ذلك الذي ينبهر بأداء ضيوفه مهما كانت نوعية بضاعتهم، بحيث يصبح حاله كحال الطالب الذي قي يعجب بأستاذه الجديد لأن لديه روح الدعابة، أو ربما لأنه حفظ اسمه من الدقائق الأولى، أو لأي سبب ظاهري آخر لا صلة له بالمستوى العلمي لمدرسه الجديد!!
العروض الإعلامية المحلية وتحديدا تلك التي أخذت على عاتقها أن تعالج مشاكل اجتماعية وثقافية ينتظر منها أن تكمل دورة الهدف الذي وضع بحماس واقتناع، بحيث لا تغلق الدائرة إلا وقد استقر انطباع التميز والتكامل ما بين الشعار المرفوع والأداء المشهود.
رغم نبل الهدف وسمو الغاية التي لمثل هذه البرامج الجادة والحريصة على أن تساهم في تقديم رؤية جيدة لحياة أفضل؛ فإن أداء بعض مقدمي البرامج الحوارية لا يرتقي ـ مع الأسف ـ لمستوى المهمة المطلوبة منهم، والتي اختاروها في أغلب الأحيان بأنفسهم وعن اقتناع بها وبأهمية أن ينصرف فريق من الإعلاميين لإتمامها على الوجه الصحيح.
لقد كان الواجب والمؤمل أن يَتبَع هذا الحرص على تقديم برامج حوارية ذات طابع اجتماعي حرص مماثل على تنمية الذات، وتعزيز الرصيد المعرفي بصورة متواصلة، كي ينتفي الجهل بالقضايا التي يتعرض لها البرنامج، ويتهيأ قدر مناسب من الوعي والإدراك بالقضايا المثارة والتي لا يكفي معها توجيه أسئلة مكررة للضيوف، وانتظار إجابات منهم، بل إن جهد مقدمي هذه البرامج في إعداد المادة العلمية والتحضير المسبق لإدارة حوار فعال هو الخيار الأكثر قدرة على إيصال الرسائل التوعوية للجمهور.
إن التفريط في هذا المطلب، وتشاغل بعض المذيعين عن تطوير حصيلتهم المعرفية هو خطأ لا بد من إصلاحه، وموقف يحسب على مقدمي هذه البرامج، وسحب من رصيد نجاحهم.
في مشاريع التطبيع في الثقافة المسؤولة يلعب الإعلامي المتميز دور الوسيط الناجح الذي يسخو بجهده لإنجاح مهمته على الصورة اللائقة هذه، وإلا فالمزيد من التعثر الإعلامي الذي ضقنا به ذرعا!!