منظومة الفشل الاجتماعي
د. أيمن بدر كريم
النجاح ليس حالة فردية، بل صناعة لها مقوماتها، ومنظومة متكاملة من العوامل والشروط الأساسية الواجب توافرها في معظم أفراد المجتمع ومؤسساته، ويرتبط بإرادة حقيقة، وأنظمة دقيقة، وإلا كان نجاحا أجوف منقوصا، وزعما خجولا، لا يلبث أن يسقط عنه قناع التجمُّل الإعلامي.
لقد غرقت بعض المجتمعات العربية في ذكرى ماضيها الحضاري، واستند كثيرون في ادعائهم الحضارة على مجد أسلافهم، لكنهم لم يراوحوا حاجز التاريخ، ودندنوا حول مآثر أجدادهم الذين بنوا حضارة، لم يشاركوا هم في بنائها، أو يستفيدوا من إبداعها في صنع حاضرهم ومستقبلهم.
والأعجب، أن يفاخر بعض الذين انخفضت أخلاقهم واختل سلوكهم، بانتسابهم إلى مجتمع له مكانة دينية مرموقة، أو قبيلة ذات شرف، في صورة من صور الانتكاسة الفكرية، وعلامة على فشل المجتمع، وإن تعاظمت فيه البنايات الشاهقة، والثروات المادية، فالأماكن ــ كما يقال ــ لا تقدس أصحابها، والأحساب والأنساب لا ترفع شأن أصحابها، إن لم يقرنوها بجميل العمل والصفات.
وفي عصرنا الحاضر، صدرت بعض المجتمعات العربية نماذج للفشل الاجتماعي، وباتت طاردة لعوامل النجاح العلمي والتحضر الأخلاقي، نتيجة اهتراء بنيتها الأساسية، وتحول أفرادها إلى مستهلكين لا منتجين، وتكريسها ثقافة لوم الآخرين على ضياع فرص التنمية وبناء الإنسان، إضافة إلى عجز وسائل إعلامها وتربيتها عن تصحيح بعض المفاهيم والقيم الخطيرة، كالنظرة الفوقية لدى كثير من أفرادها، وشعورهم بالزهو والاعتزاز لانتمائهم العائلي أو القبلي أو الديني فحسب، وإهمالهم زيادة أرصدتهم الأخلاقية والسلوكية، والعلمية والصناعية، بوصفها مقياس تقدم الأمم والشعوب.