قد يبدو الجواب على السؤال "ما هي الأخبار" واضحا. الأخبار هي ما هو جديد، وهي ما يحدث. وعندما يراجع المرء القاموس يجد أنه يعرف الأخبار على أنها "تقرير عن أحداث جديدة أو معلومات لم تكن معروفة سابقا". ولكن معظم الأشياء التي تحدث في العالم يومياً لا تجد طريقها إلى جريدة أو تبث في نشرة على الهواء.
فما الذي يجعل خبراً ما، إذن، مهماً بما فيه الكفاية بحيث يصبح جديراً بالنشر أو الإذاعة؟ الجواب الحقيقي هو أن ذلك يتوقف على طائفة من العوامل. ويمكن القول بشكل عام إن الأخبار معلومات مهمة بالنسبة لجمهورها المقصود، ولذا فإن ما قد يشكل نبأ هاماً في بوينس آيرس قد لا يعتبر نبأ في بيروت. ويقرر الصحفيون الأخبار التي سيغطونها استنادا إلى كثير من "المعايير الإخبارية" التالية:
عامل الزمن
هل وقع الأمر مؤخراًً أو وصلتنا المعلومات عنه للتو؟ إن كان الأمر كذلك، فقد يجعله ذلك جديرا بالنشر أو البث. ويختلف معنى "مؤخراًً"، باختلاف وسيلة الإعلام، بطبيعة الحال. فبالنسبة لمجلة أخبار أسبوعية، قد يعتبر كل ما يقع بعد صدور العدد السابق في الأسبوع السابق نبأ جديدا. أما بالنسبة لقناة أخبار كبلية تبث على مدى 24 ساعة يوميا فقد تكون أكثر الأخبار المناسبة زمنيا هي "الأخبار العاجلة التي ما زالت تتطور"، أي الأمر الذي يحدث في هذه اللحظة بالذات ويمكن لمراسل موجود في مكان وقوع الحدث تقديم تغطية حية له.
التأثير
هل يتأثر عدد كبير من الناس أم قلة منهم فقط بالحدث؟ سيكون لتلوث شبكة المياه التي تخدم سكان بلدتك البالغ عددهم 20 ألف شخص تأثير لأن ذلك يؤثر على جمهورك بشكل مباشر. كما سيكون لنبأ مقتل عشرة أطفال نتيجة شرب ماء ملوث في مخيم صيفي في مدينة بعيدة تأثير أيضا، لأن الجمهور سيتجاوب على الأرجح عاطفيا مع النبأ. أما كون أحد العمال قد قطع خط الكهرباء فليس خبرا مهما، ما لم يسبب ذلك انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات في المدينة بأكملها.
القرب
هل حدث الأمر قرب البلد أو تعلق بأشخاص من هنا؟ إن سقوط طائرة في تشاد سيحتل العناوين الرئيسية في نجامينا، ولكن من غير المحتمل أن يتصدر الأنباء في تشيلي ما لم تكن الطائرة تقل ركابا تشيليين.
الخلاف
هل يختلف الناس في الرأي حول هذا؟ إن من الطبيعة البشرية أن يهتم الناس بالأخبار التي تثير صراعاًً أو تضارباً في الآراء أو توتراً أو نقاشاً عاما. فالناس يحبون عادة الانحياز إلى جانب رأي أو آخر ومعرفة الموقف الذي سيسود. ولا يعني الصراع دائما انقساماً في وجهات النظر. فالأنباء المتعلقة بأطباء يقاومون مرضا أو مواطنين يعارضون قانوناً جائراً تدور هي أيضاً حول مصارعتهم لذلك.
البروز والشهرة
هل يتعلق الأمر بشخص مرموق؟ فقد تصبح النشاطات أو الهفوات المؤسفة العادية أخبارا إذا تعلق الأمر بشخصية مشهورة كرئيس وزراء أو نجم سينمائي. وحادث سقوط الطائرة في تشاد سيتصدر الأنباء حول العالم إذا كان أحد الركاب من نجوم موسيقى الروك المشهورين.
التداول والانتشار
هل يشكل الأمر موضوع حديث يتناقله الناس؟ قد لا يثير اجتماع للحكومة حول مأمونية الأوتوبيسات اهتماماً كبيرا، ما لم يصادف تحديد موعد ذلك الاجتماع بعد وقت قصير من وقوع حادث أوتوبيس مروع. وقد يبقى حادث وقع خلال مباراة لكرة القدم في نشرات الأخبار لعدة أيام لأنه الموضوع الرئيسي الذي تدور حوله أحاديث الناس في المدينة.
الغرابة
هل إن ما حدث شيء غير عادي؟ وكما يقال عادة "إذا عض كلب رجلا فذلك ليس خبرا. ولكن إذا عض رجل كلبا فذلك خبر!". فالأشياء الغريبة وغير المتوقعة تجذب اهتمامنا وتثير فضولنا الطبيعي.
كما أن ما يعتبر خبرا يتوقف على تركيبة الجمهور المقصود، ليس فقط أين يعيش الناس بل من هم. فللفئات المختلفة في المجتمع أساليب حياة واهتمامات مختلفة، مما يثير اهتمامهم بأنواع معينة من الأخبار. فبرنامج الأخبار الإذاعي الذي يستهدف مستمعين صغارا في السن قد يشتمل على أنباء تتعلق بنجوم الموسيقى أو الرياضة التي قد لا تغطيها صحيفة اقتصادية تستهدف قراء أكبر سنا وأكثر ثراء. والمجلة الأسبوعية التي تغطي الأخبار الطبية ستنشر تقريرا عن اختبار عقار تجريبي لأنه يفترض أن النبأ سيثير اهتمام الأطباء الذين يشكلون قراء المجلة. ولكن معظم الصحف المحلية الموجهة للجمهور العام ستتجاهل ذلك النبأ ما لم يكن من المعتقد أن العقار سيؤدي إلى الشفاء من مرض معروف. وقد يكون هناك استثناء لذلك إذا كانت الصحيفة تصدر في المجتمع المحلي الذي تجري فيه الأبحاث المتعلقة بالعقار.
وتعتبر المؤسسات الصحفية عملها خدمة عامة، ولذا فإن الأخبار تتألف من معلومات يحتاج الناس إلى معرفتها لكي يواصلوا حياتهم اليومية وليكونوا مواطنين بنائين في مجتمع ديمقراطي. إلا أن معظم المؤسسات الصحفية هي أيضا مؤسسات تجارية يجب أن تحقق ربحا لكي يستمر وجودها، ولذا فإن الأخبار تشتمل أيضا على مواد تسترعي انتباه الجمهور: أخبار قد يرغب الناس في معرفتها لمجرد أنها مشوقة. وهاتان السمتان ليستا متناقضتين بالضرورة. فبعض أفضل الأنباء في أي يوم هي في الحقيقة أنباء مهمة ومشوقة في نفس الوقت. ولكن المألوف إلى حد ما هو أن تصنف المؤسسات الصحفية أخبارها في تصنيفين رئيسيين: الأخبار الأساسية المباشرة والأخبار الخفيفة المعروفة أيضا بالمقالات أو المواضيع الخاصة.
أنواع الأخبار
الأخبار الأساسية هي في الأساس أخبار اليوم. وهي ما تراه في الصفحة الأولى للجريدة أو في أعلى صفحة الشبكة الإلكترونية، وما تسمعه في بداية التقرير الإخباري الإذاعي أو التلفزيوني. فمثلا، الحرب والسياسة والأعمال والجريمة من مواضيع الأخبار الأساسية المتكررة. والإضراب الذي يعلنه اليوم سائقو الأوتوبيسات في المدينة والذي يترك آلاف الركاب بدون وسائل نقل للوصول إلى أماكن عملهم خبر أساسي. وهو خبر تنطبق عليه مواصفات الأهمية من حيث عامل الزمن وإثارة الجدل ومن حيث تأثيره الكبير وقرب الحدث من مكان وجود القراء أو المستمعين. ويحتاج المجتمع إلى المعلومات المتعلقة به في الحال لأنه يؤثر على حياة السكان اليومية.
وفي المقابل فإن نبأ يتعلق ببطل رياضي عالمي الشهرة نشأ في ملجأ للأيتام هو نبأ ينطبق عليه تعريف الأخبار الخفيفة. وهو نبأ يشبع فضول الناس ويتعلق بشخص مرموق كما أنه نبأ غير عادي من المرجح أن يتحدث عنه الناس مع أصدقائهم، إلا أنه لا يوجد سبب ملح لنشره أو إذاعته في أي يوم معين. وهذا يجعله من مواضيع الأنباء الخاصة. ولدى الكثير من الصحف ومواقع الأخبار على شبكة الحاسوب أقسام منفصلة لمواضيع الأنباء الخاصة المتعلقة بأسلوب الحياة والمنزل والأسرة والفنون والترفيه. وقد تصدر الصحف الكبرى ملاحق أسبوعية لأنواع خاصة من المقالات الصحفية المتعلقة بالطعام والصحة والتعليم، وما إلى ذلك.
ولا يشكل الموضوع الأمر الوحيد الذي يميز الأخبار الأساسية عن المقالات الصحفية الخاصة. ففي معظم الحالات تكتب الأخبار الأساسية والمقالات أو المواضيع الخاصة بأسلوبين مختلفين. فالأخبار الأساسية تكتب عادة بحيث يحصل الجمهور على أهم المعلومات بأسرع ما يمكن. أما كتّاب المقالات الصحفية الخاصة فغالباً ما يبدأون الموضوع برواية حدث أو مثال يهدف أساسا إلى جذب اهتمام الجمهور، مما يعني أن الكاتب قد يصرف وقتاً أطول قبل التطرق إلى النقطة الأساسية.
وتجمع بعض الأخبار بين هذين الأسلوبين. والأخبار التي لا تتأثر بعامل الزمن ولكنها تركز على قضايا هامة تعرف عادة بـ "المقالات الصحفية الإخبارية". فالخبر المتعلق بنضال مجتمع ما لمواجهة مرض الإيدز والعيش في ظله - مثلا- هو مقال صحفي إخباري. أما الخبر المتعلق بعلاج جديد لمرضى الإيدز فهو خبر أساسي. والمقالات الصحفية الإخبارية وسيلة فعالة لاستكشاف الاتجاهات أو المشاكل الاجتماعية المعقدة عن طريق رواية أنباء إنسانية فردية عن كيفية تأثر الناس بها والتعايش معها. (سنبحث هذه الأساليب المختلفة في الكتابة بمزيد من التفصيل في الفصل 3 "تقديم الخبر").
من أين تنبع الأخبار؟
يجد الصحفيون الأخبار في أماكن كثيرة مختلفة، ولكن معظم الأخبار تنشأ عن واحدة من ثلاث طرق أساسية:
* الأحداث التي تحدث بصورة طبيعية كالكوارث والحوادث.
* الأنشطة المخططة كالاجتماعات والمؤتمرات الصحفية.
* مبادرات وجهود الصحفيين.
كثيرا ما تصبح الأحداث غير المخطط لها أخبارا رئيسية. فغرق عبّارة أو سقوط طائرة أو وقوع إعصار تسونامي أو انزلاق أرضي يصبح خبرا هاما ليس فقط وقت حدوثه ولكن لعدة أيام وأسابيع بعد ذلك في كثير من الأحيان. ويتوقف نطاق التغطية جزئيا على قرب مكان وقوع الحادث والمتأثرين به. فوقوع حادث سيارة في باريس تنجم عنه وفيات قد لا يكون خبرا هاما في أي يوم، ولكن حادث سيارة في باريس في العام 1997 كان خبرا هاما جدا ليس في فرنسا وحسب بل وفي سائر أنحاء العالم أيضاً لأن الأميرة البريطانية ديانا كانت بين ضحاياه.
والمواطنون الذين يشاهدون كارثة ما كثيرا ما يتصلون بمنظمة إخبارية. ويعلم الصحفيون أيضا بهذه الأحداث من المستجيبين الأوائل من عمال النجدة: قوات الشرطة ورجال الإطفاء والمسؤولون عن الإغاثة والإنقاذ. ويمكن للمنظمات الإخبارية في بعض الدول مراقبة الاتصالات المتعلقة بحالات الطوارئ بين المستجيبين الأوائل من عمال الإنقاذ والنجدة وإرسال صحفيين إلى مواقع الأحداث بسرعة لكي يتابعوا التطورات بأنفسهم.
وأكثر مصادر الأخبار وضوحاً في كثير من مكاتب التحرير هو الجدول اليومي للأحداث في المدينة، الذي يتضمن اجتماعات الحكومة وافتتاح الأماكن التجارية ونشاطات المجتمع المحلي. وفي حين أن قائمة النشاطات هذه التي تدعى في الكثير من الأحيان "الكتاب اليومي" ليست أنباء جديرة بالنشر بصورة أوتوماتيكية، إلا أنها توفر نقطة بداية جيدة ينطلق منها الصحفيون الباحثون عن الأخبار. ويقول الصحفيون الذين يتابعون تغطية أنواع معينة من القضايا أو المؤسسات، والمعروفون أيضا بالصحفيين المتخصصين بمجالات معينة، إنهم كثيرا ما يحصلون على الأفكار لتغطية خبر ما من خلال إلقاء نظرة على جداول الاجتماعات المقبلة.
ويمكن للبيانات الصحفية أن تشكل مصدرا آخر للأخبار، ولكنها هي أيضاً ليست سوى نقطة انطلاق. وتصل إلى مكاتب التحرير عشرات البيانات الصحفية كل يوم عن طريق البريد أو الفاكس أو حتى أشرطة الفيديو عن طريق الأقمار الصناعية. ويصدر المسؤولون الحكوميون والوكالات الحكومية الكثير من هذه البيانات الصحفية، ولكن المنظمات الكبيرة الأخرى كالشركات الخاصة والمؤسسات غير الربحية تصدر هي أيضا بيانات صحفية لإطلاع وسائل الإعلام على أنشطتها وأعمالها. وفي حين أن البيان الصحفي قد يكون مشابهاً للنبأ الإخباري إلا أنه من غير المرجح أن يقدم خبراً متكاملاً من جميع النواحي نظراً لكونه صادراً عن جهة لها مصلحة شخصية بالموضوع. فقد تكون البيانات الصحفية دقيقة من ناحية صحة الحقائق التي تتضمنها، ولكنها تتضمن عادة فقط تلك الحقائق التي تقدم صورة إيجابية عن الشخص أو المنظمة المرتبطة بالبيان الصحفي. وحتى عندما يبدو البيان الصحفي جديراً بأن يصبح خبراً يتعين على الصحفي المحترف أن يتحقق أولاً من صحته، ثم يبدأ بطرح الأسئلة لتحديد الخبر الفعلي قبل أن يقرر ما إذا كان جديرا بإصداره كخبر.
والأحداث المعدّة مسبقا كالمظاهرات يمكن أن تسفر عن أخبار، إلا أنه يتعين على الصحفيين أن يتوخوا الحذر لكي لا يستغلهم منظمو المظاهرات الذين يبغون عرض وجهة نظرهم فقط في ما يتعلق بالقضية. وقد أصبح السياسيون بارعين في تنظيم نشاطات و"فرص التقاط الصور" لجذب التغطية لنشاطاتهم، حتى عندما تخلو من أي قيمة إخبارية حقيقية. وهذا لا يعني أنه ينبغي على الصحفيين تجاهل هذه الأحداث، ولكنهم يحتاجون إلى جمع وتقديم مزيد من المعلومات لتغطية الخبر كاملا.
ويقول معظم الصحفيين إن أفضل تقاريرهم الإخبارية تأتي نتيجة مبادراتهم وجهودهم الشخصية. وتأتي الاقتراحات المتعلقة بالأخبار أحيانا من غرباء، ممن قد يزورون مكتب التحرير أو يجرون اتصالات هاتفية أو يرسلون رسائل عبر الإنترنت للشكوى أو التعبير عن قلقهم أو اهتمامهم. وتسعى بعض المؤسسات الصحفية بنشاط للحصول على أفكار من الناس الذين يعيشون في المجتمعات التي تخدمها عن طريق توفير رقم تليفون أو عنوان إلكتروني لتقديم الاقتراحات. ويمضي الصحفيون الكثير من الوقت في إقامة علاقات مع الأشخاص الذين يمكن أن يزودوهم بالمعلومات. (سنبحث إقامة العلاقات مع المصادر في الفصل 2 "الحصول على الخبر").
وكثيرا ما يعثر الصحفيون على الخبر الذي سيدور حوله تقريرهم من مجرد الالتفات إلى ما يدور حولهم والإصغاء إلى أحاديث الناس. وقد يتحول ما تسمعه في حدث رياضي أو أثناء وقوفك في الطابور في مكتب البريد إلى موضوع إخباري. اسأل الأشخاص الذين تلتقي بهم خارج تأديتك لعملك عما يجري في حياتهم أو في أحيائهم وقد تعثر على قصة إخبارية لم يقم أي شخص آخر بتغطيتها.
وهناك طريقة أخرى للعثور على الأخبار وهي السؤال عما حدث منذ آخر مرة نشر فيها خبر ما في الجريدة أو تم بثه على الهواء. وكثيرا ما تقود المتابعة إلى تطورات مفاجئة تكون أكثر أهمية من الناحية الإخبارية من النبأ الأصلي. فمثلا، قد يطلعك نبأ عن حريق في اليوم الذي يلي وقوعه على عدد الأشخاص الذين راحوا ضحيته ومدى الأضرار التي سببها. إلا أن المتابعة بعد عدة أسابيع قد تكشف أن خللا في الاتصال اللاسلكي جعل من المستحيل على رجال الإطفاء الاستجابة بسرعة كافية لإنقاذ مزيد من الأرواح.
وقد تؤدي الوثائق والبيانات والسجلات العامة إلى أنباء هامة أيضا. ذلك أنه يمكن للصحفيين استخدامها للبحث عن الاتجاهات العامة أو لاكتشاف مخالفات. ويتطلب هذا النوع من العمل جهداً أكبر، ولكن النتائج تكون دائما تقريبا جديرة بذلك المجهود. ويكون الأمر أسهل بكثير بالطبع حين تكون البيانات متوفرة بالوسائل الإلكترونية، ولكن من المعروف عن الصحفيين أنهم يدخلون البيانات من سجلات الصحف إلى برامج قاعدة بيانات الحاسوب لكي يتمكنوا من البحث عن أهم المعلومات الواردة في كم هائل من الإحصاءات. فمثلا، قد تؤدي قائمة بأسماء الأشخاص الذين ضبطوا يقودون سياراتهم متجاوزين حد السرعة القصوى إلى قصة إخبارية إذا تم تصنيفها بالاسم بدلا من التاريخ. وقد كانت هذه هي الطريقة التي تمكنت من خلالها المراسلة التلفزيونية نانسي إيمونز من اكتشاف أن سائقا في مدينتها ضبط مخالفاً لقوانين السير اثنتي عشرة مرة خلال ثلاث سنوات وسبّب حادثا أدى إلى مقتل سائق آخر دون أن يفقد رخصة القيادة. وعندما حققت في الموضوع اعترف المسؤولون في مدينتها بأنهم أخفقوا في أداء واجبهم.
دور الصحفي
أصبح من الممكن بفضل التكنولوجيات الجديدة لأي شخص يملك جهاز كمبيوتر أن ينشر المعلومات على نطاق واسع أسوة بأكبر المؤسسات الصحفية. إلا أن موقع الإنترنت المصمم جيدا، مهما كان أسلوب الكتابة فيه جيداً ومهما تكرر تحديث المعلومات فيه، لا يشكل بالضرورة مصدرا موثوقا للأخبار. والحقيقة هي أن دور الصحفي أصبح الآن مهما أكثر من أي وقت مضى بعد أن أصبحنا نعيش في عالم معقد لم تعد المعلومات فيه سلعة نادرة.
فالصحفي، خلافا لمروّج الدعاية أو ناشر الشائعات، يمحص المعلومات المتوفرة ويحدد ما هو مهم وموثوق منها قبل أن يمررها للجمهور. ويتعين أن تكون التقارير والقصص الإخبارية دقيقة، سواء كانت تقارير أخبار أساسية أو مقالات صحفية خاصة. ويتعين على الصحفيين لا مجرد جمع المعلومات لنقل الأخبار وحسب، وإنما أيضاً التحقق من صحتها قبل استخدامها. ويعتمد الصحفيون على المراقبة المباشرة حينما يكون ذلك ممكنا ويرجعون إلى مصادر متعددة للتأكد من موثوقية المعلومات التي يحصلون عليها. كما أنهم يقومون، إلا في حالات استثنائية نادرة، بذكر المصادر التي استقوا منها معلوماتهم لكي يتمكن الجمهور من تقييم مصداقيتها.
إلا أن الصحافة أكثر من مجرد توزيع للمعلومات المبنية على حقائق. فالدعاية قد تكون مبنية أيضا على حقائق، ولكن تلك الحقائق تقدّم بطريقة تهدف إلى التأثير على آراء الناس. وكما نوهنا سابقاً فإن المحترفين في مجال العلاقات العامة يستخدمون الحقائق أيضا، ولكنهم قد يعرضون جانباً واحداً من القضية. أما الصحفيون فيجهدون لتقديم قصة إخبارية متكاملة ومنصفة. ويجهدون لتقديم قصة دقيقة وصحيحة، تعكس الحقيقة، وليس تصورهم لها أو تصور أي شخص آخر.
ومن الفروق الأخرى التي تميز الصحافة عن أشكال الإعلام الأخرى كون الصحفيين يجهدون لضمان استقلالهم عن الناس الذين يغطونهم في أخبارهم. فليس من المحتمل أن يضمّن موظف العلاقات العامة الذي يعمل في المنظمة التي يكتب هو أو هي عنها معلومات في ما يكتبه تظهر المنظمة بصورة سيئة. أما الصحفي فسيحاول تقديم صورة كاملة، حتى لو لم تكن إيجابية تماما.
وليس الصحفيون مجرد أحزمة نقل لوجهات نظرهم الشخصية أو لمعلومات يقدمها آخرون. فهم يقدّمون تغطية أصلية للأخبار، ولا يخلطون بين الحقيقة والرأي أو الإشاعة، كما أنهم يتخذون قرارات تحريرية سليمة. ويقول بيل كيلير، المحرر التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز، إن من المسؤوليات الصحفية الرئيسية "الحكم على المعلومات".
ويدين الصحفيون بولائهم الرئيسي للجمهور، وذلك خلافا لغيرهم من ناقلي المعلومات. وكما تقول صحيفة مونتريال غازيت الكندية في مدونة مبادئها للسلوك "إن أعظم رصيد تملكه أي صحيفة هو نزاهتها. واحترام تلك النزاهة يُكتسب بعد جهد جهيد ويُفقد بسهولة". وللمحافظة على تلك النزاهة يبذل الصحفيون جهودا كبيرة لتفادي تضارب المصالح، سواء كان فعليا أو متخيلا. (سنتحدث عن ذلك بمزيد من التفصيل في الفصل 7 "مبادىء الأخلاق والقانون").
الموضوعية والنزاهة
تطور مفهوم الموضوعية في الصحافة منذ قرن تقريبا كرد فعل على التغطية الصحفية التي تهدف إلى الإثارة بدافع الأهواء والآراء الشخصية، وهي طريقة التغطية التي كانت شائعة في معظم صحف تلك الأيام. واستخدم تعبير "الموضوعية" أصلا لوصف نهج أو أسلوب صحفي؛ بحيث يسعى الصحفيون إلى تقديم الأخبار بطريقة موضوعية لا تعكس تحيز الصحفي نفسه أو المؤسسة التي تملك وسيلة الإعلام.
ومع مرور الوقت أصبحت الموضوعية صفة مطلوبة من الصحفيين أنفسهم. وقد أخذ المحرر التنفيذي لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية، لينارد داوني، هذا المفهوم مأخذ الجد التام حتى أنه رفض تسجيل اسمه للتصويت في الانتخابات. غير أن صحفيين كثيرين يقرون الآن بأن الموضوعية التامة مستحيلة. وقد أسقطت الجمعية الأميركية للصحفيين المحترفين في العام 1996 كلمة "موضوعية" من مدونة مبادئ السلوك الخاصة بها. فالصحفيون بشر مثلهم مثل غيرهم، وهم يهتمون بعملهم ولهم آراؤهم. والادعاء بأنهم موضوعيون كليا يوحي بعدم وجود قيم لديهم. وقد اتفق الصحفيون، عوضا عن ذلك، على أنه ينبغي عليهم أن يكونوا واعين لآرائهم الشخصية لكي يتمكنوا من ضبطها وضمان عدم تأثيرها على ما يكتبونه. وينبغي ألا يتمكن الجمهور من معرفة رأي الصحفي من خلال تقريره الإخباري. وبوسع الصحفيين، عن طريق استخدام نهج موضوعي وعلمي للتحقق من المعلومات، تقديم تقارير إخبارية لا تعكس وجهات نظرهم الشخصية. وبمعنى آخر، يتعين أن يكون التقرير الإخباري نفسه غير متحيز ونزيها.
ويسعى الصحفيون أيضا لأن يكونوا نزيهين ومنصفين في تغطيتهم الإخبارية من خلال عدم تقديم تقارير إخبارية تقدم وجهة نظر جانب واحد، بل يسعون إلى معرفة الآراء المناقضة لذلك الرأي وعرضها هي أيضاً بدون التحيز لأحد الجانبين. وهم لا يكتفون بالتأكد من صحة الوقائع بل يسعون إلى معرفة وعرض الآراء المتباينة في الحالات التي تكون فيها الوقائع موضع جدل وخلاف.
غير أن النزاهة والإنصاف تختلف عن التوازن. فالتوازن يوحي بأن هناك جانبين فقط لأي خبر، وهو شيء نادر، وبأنه يجب إعطاؤهما أهمية متساوية في التغطية. والصحفيون الذين يسعون لتحقيق هذا النوع من التوازن المصطنع في تقاريرهم الصحفية قد ينتجون تغطية تفتقر بشكل أساسي إلى الدقة. فمثلا، قد تتفق الأغلبية الساحقة من علماء الاقتصاد المستقلين على نتائج سياسة إنفاق معينة في حين أن أقلية صغيرة تملك رأيا مختلفا ثبت خطؤه من تجارب الماضي. وسيكون التقرير الإخباري الذي يعطي وقتا أو مساحة متساوية لوجهات نظر المجموعتين مضللا.
والتحدي الذي يواجهه الصحفيون هو تغطية جميع وجهات النظر المهمة بطريقة نزيهة منصفة بالنسبة للمعنيين بالموضوع وتقدم أيضا صورة كاملة وأمينة للجمهور. ويقول الصحفي وكاتب المدونة الإلكترونية دان غيلمور إن "النزاهة والإنصاف يعنيان، من بين أمور أخرى، الاستماع لوجهات النظر المختلفة ودمجها في الصحافة. إن النزاهة والإنصاف لا يعنيان تكرار الأكاذيب أو التحريفات لتحقيق تلك المساواة الكسولة التي تقود بعض الصحفيين إلى الحصول على تصريحات مناقضة يستشهدون بها حين تكون الوقائع مؤيدة لجانب واحد بصورة لا تقبل الشك".
مزودو الأخبار
يشترك الصحفيون في جميع أنحاء العالم بصفات معينة. فهم فضوليون ومثابرون. وهم يريدون معرفة سبب حدوث الأمور ولا يستسلمون بسهولة لمن يرفض الكشف عن المعلومات. كما أنهم لا يرهبون أصحاب السلطة والنفوذ ويحرصون على العمل الذي يمارسونه حرصاً شديدا. ويقول كيفين مارش، وهو محرر في هيئة الإذاعة البريطانية - راديو 4، إن الصحفي الجيد يملك "القدرة على فهم الحقائق الكبيرة والتواضع اللازم للتخلي عنها حين لا تكون الوقائع متساوقة معها." وينطوي عمل الصحفي على صعوبات وتعقيدات. وكما قال فيليب جراهام، رئيس مجلس إدارة شركة الواشنطن بوست الراحل ذات مرة "(تقع على عاتق الصحفي) المهمة المستحيلة التي لا مفر منها لأن يقدّم كل أسبوع مسودة تاريخ لن يكتمل أبدا عن عالم لا يمكننا فهمه أبدا".
وتتوفر للصحفيين اليوم وسائل لتسويق نتاجهم تفوق ما كان متوفراً في أي وقت مضى، من صحف المجتمعات الصغيرة إلى قنوات الأخبار التلفزيونية التي تبث على نطاق عالمي ومواقع الأخبار على شبكة الإنترنت. وتتصف كل وسيلة من هذه الوسائل بمواطن ضعف وقوة مختلفة.
ففي معظم الدول، توظف الصحف اليومية أكبر عدد من الموظفين وتقدّم مواضيع أكثر عمقا وأوسع نطاقا من وسائل الإعلام المرئي والمسموع. وقد بدأت صحف كثيرة بالتغلب على المحدودية التي كان يفرضها عليها العرف التقليدي بإصدار عدد واحد في اليوم من خلال إنشاء مواقع ويب تابعة لها على الإنترنت. ولكنها لا تصل أساساً إلا إلى جمهور مثقف وميسور، أي إلى أشخاص يستطيعون القراءة ويملكون ما يكفي من المال لشراء الجريدة أو يستطيعون استخدام جهاز كمبيوتر لقراءة الجريدة على خط مباشر على الإنترنت.
ويتمتع الراديو الذي يعدّ واحدا من أكثر مصادر الأخبار استخداماً في العالم بميزة السرعة وسهولة توفير الأنباء. ويمكن للصحفيين الإذاعيين بث الأخبار على الهواء بسرعة كما يمكن لكل من يملك راديو بطارية أن يسمع الأخبار في أي مكان تقريبا وفي أي وقت. ويقدّم الصحفيون الإذاعيون الأخبار من خلال المقاطع الصوتية علاوة على الكلمات، وبذلك يشعر المستمعون بأنهم خبروا بالفعل جزءاً مما كان عليه الحدث حقا. وبما أن الأخبار تذاع عدة مرات في اليوم، فإنه يتم تحديثها بصورة متكررة. إلا أن معظم محطات الإذاعة لا توفر سوى فترة محدودة جداً من الوقت لنشرة الأخبار التي تميل عادة لأن تكون موجزا مختصرا لأبرز الأنباء، بدون التعمق والإفاضة المتوفرين في الجريدة.
أما نشرات الأخبار التلفزيونية فيمكنها، باستخدام الصوت والصورة، أن تعرض على المشاهدين ما يحدث لا أن تبلغهم عنه فقط. ومن مواطن قوة التلفزيون قدرته على نقل المشاعر وتشاطر الحدث مع المشاهدين. وقد أتاح التقدم التكنولوجي - الكاميرات الأصغر حجما والمونتاج الرقمي ووصلات الاتصال المتنقلة - للتلفزيون أن يبث الأنباء بسرعة تكاد تعادل سرعة الراديو. إلا أن اعتماد هذه الوسيلة الإعلامية على الصور قد يشكل عائقا: تتفادى نشرات الأخبار التلفزيونية أحيانا تغطية الأخبار المعقدة لأنها غير مغرية من الناحية البصرية.
وقد بدأت الحدود بين التصنيفات التقليدية لأخبار الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة بالتداخل والتلاشي مؤخرا. وتقدّم منظمات إخبارية عديدة في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول الأخبار في طائفة من الوسائل الإعلامية، بما في ذلك الإنترنت. وبما أن الإنترنت قابلة للتوسع بدون حدود، فإن الأخبار المبثوثة عبرها ليست خاضعة بالضرورة لنفس قيود المساحة والوقت المفروضة على وسائل الصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة. ويمكن لمواقع الأخبار أن تقدّم قدراً أكبر من المعلومات وأن تحافظ على توفرها لمدة أطول. كما يمكنها أن تتيح للمستخدمين البحث عن الأخبار التي تهمهم أكثر من غيرها.
وقد تبدو مواقع الأخبار على الإنترنت التابعة للصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون متشابهة جدا. فهي توضح أخبارها بالصور ويقدم العديد منها أشرطة فيديو متتابعة متدفقة باستمرار واطراد للأخبار أو نشرات أخبار كاملة. وقد تقدّم أيضا صيغة "نشرة مجمّعة" (بودكاسب)، فتنشر ملفاتها على الإنترنت بحيث يمكن للمشتركين فيها إنزال أو تحميل الملفات من الإنترنت على جهاز حاسوب أو على مسجل محمول لوسائل الإعلام لاستخدامه في وقت لاحق. ويمكنك في بعض المواقع قراءة نص الخبر بنفسك أو الإصغاء لكاتبه يتلوه عليك بصوته. وقد بدأت مؤسسات الأخبار تنشئ حتى مدونات إلكترونية خاصة بها، تعرف اختصاراً باسم بلوغز، وتتيح للصحفيين الفرصة لتدوين مفكرات على الخط عن الأخبار التي يغطونها أو القرارات التي تتخذ في مكتب التحرير.
ويجد صحفيون كثيرون في عالم الأخبار المتطور هذا أنهم يحتاجون إلى مهارات إضافية لأداء العمل المتوقع منهم. وقد يتوقع من الصحفيين أن يلتقطوا صورا لاستخدامها على الإنترنت، بالإضافة إلى إجراء المقابلات مع المصادر وإعداد التقارير الإخبارية للصحيفة. وقد يطلب من المحررين أن ينشروا أخبارا على الإنترنت، بالإضافة إلى مراجعة أخبار الصحفيين وكتابة عناوين الأخبار. وقد يتعين على المصورون تصوير شريط فيديو بالإضافة إلى التقاط الصور، كما قد يتعين عليهم كتابة نصوص لشرح صورهم. وتوفر منظمات إخبارية عديدة التدريب للصحفيين الذين يقومون بأدوار جديدة في قسم الأخبار. ويقدم بعض أساتذة الصحافة الآن ما يسمونه "منهاجا دراسيا مجمّعا" لمساعدة الطلاب على تعلم مهارات متعددة قد يحتاجون إليها في المستقبل.
لكن، ورغم كل هذه المتطلبات الجديدة، يبقى جوهر الصحافة الجيدة هو نفسه دون تغير. فكما قال بيل كوفاك وتوم روزينستيل في كتابهما "مبادئ الصحافة: ما يجب على الصحفيين معرفته ويجب على الناس توقعه"، هناك بعض المبادئ الواضحة التي يتفق الصحفيون في المجتمعات الديمقراطية عليها والتي يحق للمواطنين توقعها:
* التزام الصحافة الأول هو إزاء الحقيقة.
* ولاؤها الأول هو للمواطنين.
* جوهرها هو نظام التحقق والتثبت.
* على ممارسيها أن يحافظوا على استقلاليتهم عن الأشخاص الذين يغطونهم.
* على الصحافة أن تلعب دور مراقب مستقل للسلطة.
* يجب أن توفر منبراً للنقد العام والحلول الوسط.
* يجب أن تسعى لجعل الأمور المهمة مشوقة ووثيقة الصلة بالموضوع.
* يجب أن تبقي الأخبار شاملة ومتناسبة.
* يجب أن يتاح لممارسيها أن يحكّموا ضميرهم الشخصي.
وتميز هذه القيم والمعايير الصحافة عن جميع أنواع الاتصال وتبادل الآراء. والتقيد بها ليس سهلا. ويواجه الصحفيون ضغوطا لتقديم تنازلات بخصوص هذه المعايير كل يوم تقريبا. ولكنّ تذكّر هذه المعايير دائما هو أفضل سبيل لضمان كون الصحافة قادرة على تأدية وظيفتها الأساسية، وهي تزويد المواطنين بالمعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات تتعلق بحياتهم.