شاب آخر يضاف الى قائمة المضرمين بالنار أنفسهم في ساحات المدن العربية المسلمة، شاب من مدينة تيارت انهارت أعصابه و لم يعد أمامه إلا هذه الموت البشعة ، و معاقبة الذات حين لا سبيل لحرق الظلم ، حين لا يكون للمتهم و الجاني وجه يرونه ، الم يقل احدهم لو كان الفقر رجلا لقتلته ، لم يتجسد إذن بعد بل أصبح أكثر قوة و شراسة حتى سكن أجساد أبنائنا و احرقها أمام أعيننا .
هذه الظاهرة ليست بالجديدة في العالم ـ تعود جذورها إلى قرون مضت ، ففي الهند كان مسموح بها عند البوذيين و الهنود لمعتقدات دينية ،و في القرن السادس عشر انتحر الكثير من رجال الدين المسيحيين بهذه الطريقة لمعتقداتهم الدينية أيضا ، فيما كان يسمى بمعمودية النار le baptême de feu ) و في القرن العشرين اتخذت هذه الممارسة طابعا سياسيا محضا، ففي 1963 أضرم الراهب الفياتنامي تشين كوانغ في جسده النار في احتجاج على الاضطهاد الممارس من طرف الدولة ضد البوذيين. و في 1969 جون بالاش في ساحة براغ متبوعا بطالبين لرفضهم اجتياح السوفيات للجمهورية التشيكوسلوفاكية ، ساهم ذلك في انهيار الديكتاتورية بعد أن منعت الحكومة إحياء هذه الذكرى بعد مضي 20 عاما. ليأتي البوعزيزي يتصدر قائمة المسلمين في هذه الممارسة في 2010 و بالتالي دخول الظاهرة العالم الإسلامي بمعتقداته المقدسة و أركانه العملاقة و حلاله و حرامه ، من تحريم قتل النفس و اليأس من رحمة الله و التكفير وعدم جواز الصلاة على " المنتحر" ، هل انتحر البوعزيزي ؟لماذا امام الملأ ؟ الا ننتحر في الخفاء يائسين و كأننا خجلين من فعلتنا ؟ هل نسي معتقداته ؟ هل هي من نسيته ؟ هل مات شهيدا ام كافرا ؟ ...هل كان يعرف البوعزيزي - بائع الخضار المتجول- بوجود تشين كوانغ و جان بالاش او بوجود البوذيين يوما ما ؟
ان هذا المشهد المأساوي لا يترك لنا خيارا، سوى الحقيقة المجردة، انه حين يستبد الظلم بالضعفاء أفرادا و شعوبا تختفي الفرو قات العرقية و الدينية و الثقافية ، نضحى متساوين في المعانات من بومباي الى تيارت نتصرف نفس التصرف اعتبارا و خضوعا لإنسانيـتـنا فقط .