أساليب التحقيق الصحفي
التحقيق الصحفي واحد من أهم الفنون الصحفية ، فهو يجمع بين عدد من الفنون التحريرية في آن واحد ، حيث يجمع بين الخبر والحديث والرأي ، وهو من أصعب الفنون التحريرية ، إذ يتطلب مقدرة وكفاءة عالية من المحرر، لذلك يعد المحقق أو الصحفي بقسم التحقيقات من أهم الصحفيين في الجريدة، وحتى يكون الصحفي في هذا القسم لابد وأن يكون ذا خبرة ومراس في مجال الصحافة ، حيث يكون قد تعلم وعرف كيف يحصل على الخبر، وكيف يجري الحوارات واللقاءات الصحفية، وكيف يفسر أو يعلق على ما يقال من آراء، وكيف يوازن بينها، ليقدم في النهاية تحقيقاً صحفياً يفسر الواقعة أو الحادثة أو القضية موضع التحقيق .
1- تعريف التحقيق الصحفي
يقوم التحقيق الصحفي على خبر أو فكرة أو مشكلة أو قضية يلتقطها الصحفي من المجتمع الذي يعيش فيه. ثم يقوم بجمع مادة الموضوع بما يتضمنه من بيانات أو معلومات أو آراء تتعلق بالموضوع، ثم يزاوج بينها الموصل إلى الحل الذي يراه صالحاً لعلاج المشكلة أو القضية أو الفكرة التي يطرحها التحقيق الصحفي.
أي أن التحقيق الصحفي هو فن الشرح والتفسير والبحث عن الأسباب والعوامل الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية التي تكمن وراء الخبر أو القضية أو المشكلة أو الفكرة أو الظاهرة التي يدوره حولها التحقيق ولا بد أن تكون فكرة التحقيق أو قضيته هامة لأكبر عدد ممكن من الجماهير الذين تستهدفهم، وأن تتم الفكرة بالجدة أو تقدم معالجة جديدة في حالة ما إذا كانت قديمة.
2- مصادر التحقيق الصحفي
يمكن لك كمحرر أن تلتقط أفكار تحقيقاتك من خلال هذه المصادر:-
- ما تقدمه وسائل الإعلام العامة كالصحافة أو الراديو أو التلفزيون من مواد، وتدخل فيها الإعلانات التي قد تكون مصدر الفكرة أو التحقيق الصحفي.
- المشاهدات المختلفة للصحفي، وتجاربه أو تجارب غيره، سواء في بيئته المحلية، أو في الرحلات، أو في مختلف قطاعات أو مؤسسات الدولة.
- المناسبات والأعياد والاحتفالات المختلفة.
- القصص الإنسانية والحالات الغربية والشاذة.
- الدراسات والأبحاث والتقارير والنشرات والوثائق المختلفة.
وبصفة عامة، فإنك كمحرر تحقيقات صحفية نشيط يمكنك أن تحصل على أفكار موضوعاتك من كل ما تقع عليه عيناك. وأفضل التحقيقات الصحفية هو ما كان متصلاً بهموم وقضايا الناس ومشاكلهم.
3- وظائف التحقيق الصحفي
يلبي التحقيق الصحفي وظائف الصحافة الأساسية وهي:-
- وظيفة الإعلام: حيث يقوم التحقيق بنشر الحقائق والمعلومات الجديدة بين القراء.
- تفسير الأنباء: يقوم التحقيق الصحفي بتفسير الأخبار والأحداث وشرحها، وذلك بالكشف عن أبعادها الاجتماعية والاقتصادية ودلالتها السياسية.
- التوجيه والإرشاد: وذلك بتصديه لقضايا المجتمع ومشكلاته والبحث لها عن حلول.
- التسلية والإمتاع: يركز التحقيق الصحفي في كثير من الأحيان على الجوانب الطريفة والمسلية في الحياة.
- الإعلان: يشيد أحياناً التحقيق الصحفي بمشروع معين ويسمى في هذه الحالة بالتحقيق الإعلاني.
4- أنواع التحقيق الصحفي
يوجد نوعان رئيسيان للتحقيق الصحفي وهما:
أ- التحقيق الصحفي المفصل
أساس هذا النوع من التحقيقات الكلمة المكتوبة، تساعدها المواد المصورة (صور ، رسوم ، أشكال توضيحية ) وتعتمد كمحرر في تحقيقك هنا على المصادر الحية من خلال لقاءاتك مع الأشخاص المرتبطين مباشرة بالقضية أو الفكرة من مسؤولين وجمهور أو مهتمين وباحثين ودارسين، كذلك يمكنك الاعتماد على المصادر غير الحية، فيمكنك الاعتماد مثلاً على قراءة الوثائق والبيانات والإحصاءات المتعلقة بموضوعك، فأنك تستطلع مختلف وجهات النظر المؤيدة والمعارضة.
وهذا النوع من التحقيقات يتناول الموضوع من جميع جوانبه ويغطي كل عناصره، فهو يقدم خلفية عن الموضوع أو القضية، ثم يطرح كل الأسئلة المتعلقة به، ويحاول الحصول على إجابات عنها، بغية الوصول إلى الموضوع، ويتصف مثل هذا النوع من التحقيقات بالموضوعية.
ب- التحقيق الصحفي المصور
هذا النوع يعتمد على المواد المصورة (الصور الفوتوغرافية) كعنصر أساسي، وتكون الكلمة المكتوبة فيه عاملاً مساعداً، أي عكس النوع الأول، لذلك في هذا النوع من المهم جداً الاعتناء بالصور من حيث الوضوح والشمول بالإضافة إلى هذين النوعين الرئيسيين من التحقيق الصحفي توجد أنواع أخرى فرعية وهي:
أ- تحقيق الخلفية:
وهو تحقيق يستهدف شرح وتحليل الأحداث والكشف عن أبعادها ودلالاتها، فهو تحقيق يبحث عما وراء الخبر.
ب- تحقيق البحث أو التحري:
المحرر في هذا النوع أشبه برجل المباحث الذي يتولى مسئوليته، في فك الألغاز والبحث عن الأسرار التي تكشف غموض الأحداث، وتهدف إلى الوصول للحقيقة.
ج- تحقيق الاستعلام
يلعب هذا النوع من التحقيق دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام، حيث يهتم بجمع كل التفاصيل المتعلقة بقضية ما تهم الناس ويلقي الضوء عليها من جميع جوانبها.
د- تحقيق التوقع
وهذا النوع لا يكتفي بوصف الوقائع أو الظواهر أو المشاكل، وكيف وقعت، ولكنه يهتم بتطور الأحداث ، وما يمكن أن تسفر عنه في المستقبل.
هـ- تحقيق الهروب
وهو من أخطر أنواع التحقيقات إذا ما تم استغلاله لإلهاء الناس وإبعادهم عن التفكير في مشاكلهم أو قضاياهم فهو يشد القارئ بعيداً عن مشاكله اليومية، ويهرب به عن اهتماماته السياسية ليقدم له الجوانب الطريفة والمسلية والممتعة في الحياة مثل الرحلات والأحداث الغربية، والموضوعات التي تدور عن نجوم الفن والمجتمع.
ثانياً : إعداد وتنفيذ التحقيق الصحفي
وتشمل مرحلة إعداد وتنفيذ التحقيق الصحفي ثلاث خطوات وهي:
1- اختيار فكرة التحقيق
إن بداية التحقيق الصحفي تبدأ فكرة في عقل المحرر حين يرى أنها تهتم عددا كبيراً من الجمهور، ويرى أن هذه الفكرة تحتاج إلى إيضاح وشرح وتفسير، أو إلى كشف الغموض الذي يحيط بها. ويزيد من أهمية هذه الفكرة أن تكون مرتبطة بالأحداث الجارية وبالقضايا التي تشغل المجتمع، ولكن لا يعني ذلك أن فكرة مرتبطة بحدث قديم يمكن أن تكشف عن جوانب جديدة فيه لا تصلح لأن تكون موضوع تحقيق صحفي، فالتحقيقي يمكن أن يتناول واقعة قديمة بشرط تقديم زوايا جديدة.
والحصول على فكرة التحقيق هو أصعب خطوة يمكن أن تواجهك في إعداد وتنفيذ تحقيقك. ويتطلب ذلك منك أن تكون يقظاً متابعاً لكل ما يجري من حولك في المجتمع من أحداث، وأن تكون متخصصاً في فرع بعينه، لأن التخصص يجعلك تعرف كل شيء عن تخصصك، لذا يمكن أن تبدع وتبتكر فيه وتلاحق كل تطور يحدث في مجالك.
ولأهمية هذه الخطوة، نجد أن الصحف اليومية تعقد اجتماعات كل يوم لقسم التحقيقات لعرض الأفكار والاقتراحات التي تحتاج لتحقيق عنها، وهذا يتطلب قراءة دقيقة ومتأنية لصحف بجميع أبوابها وتخصصاتها فهي المصدر الأول للأفكار ومن الطبيعي أن لا تحضر الاجتماع كمحرر دون أن تكون لديك أفكاراً لعرضها للمناقشة، فمن الجميل أن تكون الفكرة نابعة من ذاتك، ولا تعتمد على رئيس قسمك أو زملاءك إعطاءك الفكرة.
وعليك قبل أن تطرح فكرة التحقيق، أن تدرس هذه الفكرة جيداً وتتأكد من جديتها، وأنها لم تعالج من قبل، لأنه إذا لم تفعل ذلك، وعرضت فكرة سبق معالجتها، دل على أنك غير مطلع وغير متابع لما ينشر في الصحف الأخرى.
2- جمع المادة الأولية للتحقيق
المادة الأولية للتحقيق هي التي تعتبر خليفة معلوماتية للتحقيق، وتساعدك كمحرر على بلورة فكرتك. ويمكنك الحصول على هذه المعلومات من جهتين.
أ- أرشيف المعلومات الصحفية
ب- المكتبة
3- تنفيذ التحقيق الصحفي
هذه الخطوة هي التي تمنح التحقيق حياته، فالخطوة السابقة تقدم معلومات جامدة، أما الخطوات الحقيقية فهي بداية الحصول على المعلومات الحية من المصادر المختلفة والتي تتمثل في الشخصيات المرتبطة بموضوع التحقيق من قريب أو من بعيد، وللحصول على هذه المعلومات لابد من عمل لقاءات مع الشخصيات المختلفة الذين يمكنهم إعطاء معلومات هامة عن الموضوع، سواء من المسؤولين أو من الجمهور المرتبط بالقضية أو المشكلة.
وهذه الخطوة تتطلب منك كمحرر أن تكون عارفاً لقواعد وخطوات إجراء المقابلة أو الحديث الصحفي التي سبق وتحدثنا عنها بالتفصيل والمعلومات الحية لا تؤخذ فقط من الشخصيات، ولكن يمكنك الحصول عليها أيضاً من خلال الوثائق والبيانات والأرقام أو التقارير الجديدة حول الموضوع ، والتي لم يسبق نشرها وبعد أن تحصل على المعلومات التي تمثل إجابة على الأسئلة أو الاستفسارات المتعلقة بالموضوع، تبدأ في ترتيبها وقراءتها جيداً، ثم تشرع في كتابة التحقيق من خلال مقدمة تبين أهمية الموضوع أو تبرز أهم ما فيه أو تلخص وقائعة، ثم جسم التحقيق ويشمل تفاصيله المختلفة، ثم الخاتمة التي تطرح الحل أو تلخص أهم الآراء الواردة في التحقيق وفي النهاية تضع العناوين المناسبة، سواء العنوان الرئيسي أو العناوين المساعدة أو العناوين الفرعية.
ثالثاً : كتابة التحقيق الصحفي
بعد أن أكملنا كل المراحل السابقة للكتابة بشكل جيد، تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة كتابة التحقيق الصحفي وتوجد ثلاثة قوالب فنية لكتابته تقوم جميعها على أساس البناء الفني للهرم المعتدل. أي أن كل قالب لابد وأن يتكون من ثلاث أجزاء هي المقدمة، الجسم،الخاتمة. وهذه القوالب هي :
1- قالب الهرم المعتدل المبني على العرض الموضوعي
في هذا القالب تعرض كمحرر القضية أو المشكلة التي يتناولها تحقيقك بشكل موضوعي من خلال مقدمة يجب أن تحرص فيها على إثارة اهتمام القراء بالموضوع وهذه المقدمة يمكن أن تأخذ عدة أشكال، منها قيامك بالتركيز على الزاوية الأساسية لموضوع التحقيق في حين تعرض كل زاوية من هذه الزوايا بالتفصيل في جسم التحقيق، أما الخاتمة فتضع فيها خلاصة النتائج التي توصلت إليها وهناك أيضاً المقدمة القصصية التي تستهدف إثارة عواطف القارئ وتعاطفه مع موضوع التحقيق.
وأبرز الأشكال التي يأخذها هذا القالب في كتابة التحقيق الصحفي يقوم على طرحك لمجموعة من الأسئلة التي تثير اهتمام القارئ بالموضوع، ثم تقوم بعد ذلك بالإجابة عن كل سؤال أو تساؤل منها في جسم التحقيق من خلال عرضك المعلومات والوقائع والبيانات التي حصلت عليها، وكذلك من خلال عرضك للمقابلات الصحفية التي أجريتها مع الشخصيات التي ترتبط بالموضوع، ثم أيضاً من خلال البيانات والمعلومات التي جمعتها عن الموضوع من أرشيف المعلومات في الصحيفة أو من المكتبة أما خاتمة هذا التحقيق فهي تقدم خلاصة مختصرة للنتيجة أو النتائج التي توصلت إليها.