عبد الكريم 28 عضو متميز
الأوسمة : عدد المساهمات : 79 تاريخ التسجيل : 11/12/2009 العمر : 39
| موضوع: المصادر الصحفية السرية بين صدقية الخبر والتملق والتزوير الجمعة فبراير 05, 2010 9:47 pm | |
| المصادر الصحفية السرية بين صدقية الخبر والتملق والتزوير
«ذكر مصدر مسؤول»، «علمت مصادر مطلعة»، «أكدت مصادر موثوقة»، «صرح مصدر رفض نشر اسمه»... لا تخلو صحيفة من تلك العبارات في نقلها للأخبار، وللقارئ أن يطلق لخياله العنان في تخمين هوية المصدر، ومن ثم استنتاج التفسيرات لما يعنيه الخبر نفسه، وماذا يعني نسبه إلى مصدر مجهول، وماذا يعني كونه من هذا المصدر أو ذاك.عبدالله صحافي مجتهد، اتصل به موظف في إحدى الوزارات ليبلغه عن قيام أحد المسؤولين باختلاس أموال الوزارة، وقال ان لديه مستندات تثبت ذلك، فطلب عبدالله تزويده بها، فوافق الموظف بشرط عدم نشر اسمه، خوفاً من انتقام المسؤول منه، فتفهم عبدالله طلبه وقام بنشر الخبر منسوباً لـ«مصدر مطلع».في اليوم التالي، فوجئ عبدالله باستدعائه من قبل النيابة العامة، وعندما ذهب هناك، طلب منه المحقق تزويده بالمصدر الذي استقى منه المعلومات، فتذكر عبدالله وعده للموظف، ورفض الكشف عن هويته، لأن اسم المصدر ليس هو القضية، بل القضية الأساسية هي السرقة، فوجهت له تهمة إفشاء أسرار الوزارة والتستر على معلومات طلبتها النيابة، فاحتار عبدالله بين الكشف عن هوية مصدره، وبالتالي فقدانه ثقته وتعريضه لانتقام محتمل، أو حماية مصدره، وبالتالي دخول السجن.هذه قصة خيالية، لكن قصصا كثيرة مثلها تحدث في مختلف أنحاء العالم، حيث يجتهد الصحافي في توعية الناس لما هو مخفي، لكنه يصطدم بعراقيل قد تقطع سبل الوصول إلى المعلومة الصحيحة.دوافع المصادر السريةتقوم الصحافة على أساس حق الفرد في الحصول على المعلومة، وتحتاج الصحيفة إلى نقل أكبر قدر من الأخبار ذات الجودة كي تنوع شرائح قرائها وتكسب ولاءهم، وتحتاج إلى المصداقية كي تستحق ثقتهم، فواجب الصحافي هو خدمة الحقيقة، وتتعدد سبل تأدية ذلك الواجب، فبعض الأخبار يتم نقلها عبر معايشة الصحافي الشخصية لها دون الحاجة الى وسيط، كوجوده في وحدات الجيش لنقل أخبار الحرب من حوله، وبعضها يتم نقله عن مصادر أخرى، كالأخبار التي تأتي من شتى أنحاء العالم عبر وكالات الأنباء، أو الأخبار عن تفاصيل الاجتماعات المغلقة التي ينقلها له المشاركون في الاجتماع.أحياناً، يلجأ الصحافي، ولعدة أسباب، إلى حجب هوية المصدر عند نشر الخبر، منها أن يكون الخبر ذا حساسية قد تعرض حياة أو سمعة أو مركز المصدر للخطر، أو أن يعرض الصحافي للمساءلة القانونية طبقاً لقوانين النشر المختلفة، وأحياناً، تواجه الصحيفة تحدياً شعبياً أو قانونياً يتطلب كشف هوية المصدر، عندما تضطر مثلا لإثبات صحة خبر مشكوك في صحته، أو عندما تطلب منها السلطات الحكومية لأمر يتعلق بالأمن الوطني، أو عندما تأمر المحكمة بكشف هوية المصدر، لأنه يشكل محوراً أساسياً في قضية ما، وفي هذه الحالات تواجه الصحيفة معضلة الموازنة بين مبدأ حماية هوية المصدر والمصلحة العامة للمجتمع.أهمية حماية المصادر الصحافيةتعرف الصحافة بـ«السلطة الرابعة»، لانها صمام الأمان لأداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولما كانت الصحافة عينا على الفساد، فإن استمرار تدفق المعلومات الصحيحة ضروري لتوعية الناس وكشف الفساد، ولأن نشاط المفسدين بطبيعته سري، ولأن اجتماعات صنع القرار بطبيعتها مغلقة، فإن الصحافة تحتاج إلى مصادر داخلية لنقل ما يجري بها، وقد تشترط المصادر حجب هويتها مقابل نقل الأخبار «ومن دون حماية قانونية للمصادر، فإنها قد تتردد في مساعدة الصحافة في توعية الناس في شؤون المصلحة العامة، ونتيجة لذلك، فإن دور الصحافة في الرقابة العامة قد يهمش»، كما ورد في حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية مشابهة.مواثيق ومبادئ دوليةتنص مواثيق الصحافة الدولية على أن الأصل في نقل الأخبار هو ذكر هوية مصدرها، وذلك من شأنه أن يعزز ثقة القارئ في مصداقية الصحيفة، ويضع المسؤولية القانونية لمحتوى الخبر على المصدر، فلا تخلو المواثيق من المعايير التي تحدد آلية نشر الأخبار منسوبة إلى مصادر غير معرفة، كما أن لكل صحيفة معايير داخلية يلتزم بها صحافيوها، كأن تشترط الحصول على المعلومة نفسها من مصدرين أو أكثر، بينما توثيق الخبر من المصدر رسمياً حتى يتسنى الاستناد اليه قانونياً لو دعت الحاجة، كما تتبع صحف أخرى نظاماً معيناً في تقييم مصداقية مصادرها، ويتم تفضيل مصدر على آخر بناء عليه.قوانين دوليةيظل الالتزام بالمواثيق الصحفية اختيارياً، إلا أن الصحافة خطت خطوات كبيرة في بعض الدول المتقدمة، إذ ترجمت تلك المواثيق إلى قوانين أو سياسات عامة توفر غطاء قانونياً يحمي مصادرها، فعلى سبيل المثال، حددت وزارة العدل الأميركية معايير طلب المعلومات من الصحف من قبل السلطات، إذ تحثها على «استنفاذ كل السبل في الحصول على المعلومة قبل الطلب من الصحيفة»، وإذا كان الطلب متعلقاً بقضية منظورة في المحكمة، فيجب أن يكون هناك «اشتباه معقول، مبني على معلومات غير صحفية، بأن كشف هوية المصدر سيؤدي إلى إدانة أو تبرئة متهم جنائياً أو الفصل في القضايا المدنية»، كما يجب أن يكون الطلب «للتحقق من صحة معلومة تم نشرها، وليس الحصول على معلومة جديدة»، ولكن لا تحتوي على أي جزاءات تترتب على مخالفة السلطات لها.كما توجد قوانين مشابهة في أوروبا، إذ تبنت بريطانيا عام 1981 قانوناً يمنع المحكمة من إلزام الصحافي بالكشف عن هوية مصادره، ما لم يتعلق الأمر بالأمن الوطني أو تحقيق العدالة أو منع حدوث جريمة، بينما ينعم الصحافيون في النمسا بتلك الحماية منذ عام 1922، والقانون الألماني المقر عام 1975 يعطي الصحافي حق رفض الإدلاء بأي معلومة تخص مهنته، بل تحظر على السلطات الوصول الى أي معلومة حتى عن طريق مصادرة مواد صحفية، أما البرلمان النرويجي فقد منح تلك الحماية منذ عام 1951 ما لم تستدع الضرورة، التي يحددها القاضي، بينما تعتبر تلك الحماية من المبادئ الأصيلة في الدستور السويدي.أمثلة مشهورةالمثال الأبرز يتجسد بقيام صحيفة واشنطن بوست الأميركية بكشف تورط البيت الأبيض بفضيحة «ووترغيت» مطلع السبعينيات، ما أدى إلى استقالة الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، ولحساسية القضية استند الصحافيان بوب وودوارد وكارل بيرنستين الى مصدر حجبت هويته ولقب بـ«Deep Throat» وظلت هويته سراً حتى عام 2005 عندما قام بالكشف عن هويته بنفسه، عندها علم الناس أن Deep Throat هو مساعد مدير إدارة التحقيقات الفدرالية (FBI) الأسبق مارك فيلت، وكان دور الصحيفة في كشف ملابسات الفضيحة أكسبها مكانة بين أعرق الصحف في العالم، وتمسك وودوارد وبيرنستين بالحفاظ على سرية مصدرهما طوال ثلاثين عاماً صنع لهما ثقلاً جعل رأيهما مؤثراً في أميركا كمحللين سياسيين.قضية أخرى هزت أركان البيت الأبيض اخيراً وهي قيام مسؤولين بتسريب هوية احدى عميلات الاستخبارات الأميركية CIA للصحافيين ماثيو كوبر وجوديث ميلر، اللذين رفضا الكشف عن هوية مصادرهما أمام المحكمة، ما أدى إلى الحكم على ميلر بالسجن عام ونصف، بينما قام مصدر كوبر بتسريحه من وعده له بالحفاظ على سرية هويته، ما جنب كوبر السجن، بعد أن فشلت محاولاتهما للتحصن بمواثيق العمل الصحفي.قضية أخرى مشابهة تخص صحيفة دي تيليغراف الهولندية العريقة العام الماضي، عندما قام صحافيان بنشر خبر عن تسريب وثائق تخص الشرطة السرية، ووقوعها في يد أحد المجرمين، فأمر القاضي بالكشف عن مصدر الخبر بحجة حماية الأمن القومي، وأدى رفض الصحافيين تنفيذ الأمر إلى احتجازهما لثلاثة أيام، وفي وقت لاحق، قضت محكمة الاستئناف بأن حجة الأمن القومي ليست لها القوة الكافية لتطغى على مبدأ حماية المصدر، ما يسجل كإنجاز كبير للصحافة الأوروبية.الفبركة الصحفيةيلجأ بعض الصحافيين أحيانا، الى تسريب الأخبار، بل واختلاق بعضها لـ«ضرب» هذه الجهة أو تلك، وربط كل الكلام بـ«مصادر» قالت وأكدت وأشادت، وتنويع هذه المصادر وفقا لهوى الكاتب، بين «مصدر مطلع» أو «مصدر عليم» أو مصادر خاصة»... وغالبا تكون هذه المصادر من خيال الصحافي، ويجرى التزوير أحيانا بمعرفة إدارة التحرير، في إساءة بالغة الى هذه الفعالية الصحفية المفيدة والمهمة!حصانة الطبيب والمحاميينعم الأطباء والمحامون بنوع الحصانة نفسها التي يطالب بها الصحافيون، إذ من حق الطبيب أن يمتنع عن الإدلاء بأي معلومة أسر بها له أحد مرضاه، ذلك ان إفشاء المعلومات الخاصة بالمريض من شأنه أن يزعزع ثقة المريض بطبيبه، ما يعرقل تشخيص مرضه بدقة وعلاجه، كما أن من حق المحامي الامتناع عن الإدلاء بمعلومات تخص موكله، لان ذلك قد يجعله شاهداً ضده وليس مدافعاً عنه. بالتصرف. الإعلام,والأفكار المستحدثة الكاتب=sodanian=
| |
|