soraya عضو مجتهد
عدد المساهمات : 15 تاريخ التسجيل : 14/11/2010
| موضوع: من حزب الأصفهاني صاحب "الأغاني" إلى حزب iBooks غوغل الخميس ديسمبر 23, 2010 11:32 am | |
| من حزب الأصفهاني صاحب "الأغاني" إلى حزب iBooks غوغل 2010.12.14 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بقلم: الدكتور أمين الزاوي aminzaoui@yahoo.fr في زمن عربي بائد، حيث كان العرب يهتمون بالكتب ويدفعون مقابلها الأموال الطائلة لشرائها أو نسخها أو تخطيطها، في ذلك الزمن الذي يقال إن بعض الكتب كانت تباع بمقدار وزنها ذهبا
- وكان الواحد يسافر فيقطع الفيافي والصحاري من أجل اقتناء كتاب أو
استنساخه في ذاك الزمن السحيق، كان بعض الأمراء العرب، على الأقل بعضهم!!!، غير بعيدين عن الكتاب، بل إن كثيرا منهم، حسب ما نقلتهم بعض الكتب، كان يجالس الأدباء ويتناقش الفقهاء ويتحاجج مع النحويين بمدارسهم المتناقضة وكان بعضهم قد نبغ في الشعر أو الكتابة النثرية، ولانشغال الحكام بالكتاب فقد كانوا يحملون مكتباتهم على ظهور الجمال ينزلون بها أينما نزلوا ويقرأون فيها أينما حلوا. وتروي الكتب المعتّقة أن بعض الأمراء، نظرا لاهتمامه بالكتب جمعا وقراءة، فقد تشكلت له قوافل كثيرة من الجمال همّها الوحيد نقل الكتب أينما نزل الأمير وحاشيته من المثقفين، وذات يوم شعر أحد الأمراء بأن النقل والتنقل المستمر لهذه القوافل المحملة ظهورها بالكتب أصبح متعبا وعسيرا، إذ أن بعض هذه الكتب المخطوطة التي زاد عددها قد بدأ يهددها التلف من الأسفار وأثار التنقال، آنذاك فكر أبو الفرج الأصفهاني (897 - 967م) في حل لهذه المكتبة التي لا يستطيع مفارقتها بعض الأمراء في السلم كما في الحروب، وبعد تفكير وصل أبو الفرج الأصفهاني إلى حل وهو أن يختصر قافلة الكتب كلها في كتاب واحد يكون جامعا وصادقا ومفيدا للرحلة والعقل والتاريخ، مسكونا بفكرة اختصار قافلة من جمال ونوق الكتب اعتزل الأصفهاني نصف قرن (خمسين سنة!!) مع الكتب فقرأها جميعها ولخصها في كتابه الشهير الذي سماه "الأغاني" والذي لايزال مرجعا أساسيا في تاريخ الإبداع التأليفي العربي حتى الآن، يتداوله القراء والباحثون جيلا بعد جيل. ويروى عن الصاحب بن عباد (326 - 385هـ) وهو الوزير والعالم والأديب، أنه استغنى عن مكتبته المشكلة من قافلة من ثلاثين جملا والتي كانت ترافقه في تنقلاته وأسفاره، استغنى عنها ليعوضها بكتاب "الأغاني" لما وصل بين يديه.
- وبكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، خفف المؤلف على الأمير ترحاله،
فعوض "الأغاني" قافلة كاملة من الجمال المحملة بالكتب، وأصبح الأغاني كتاب الأمراء والعامة على السواء، وقد أشاد ابن خلدون بأهميته التاريخية والأدبية.
- اليوم، وسعيا للحفاظ على الوقت وخفة الحمل والاقتصاد في المكان
وشمولية المعرفة، لأجل هذا كله وأكثر، تشتغل مؤسسة غوغل وغيرها وبتنافس شديد وساخن على وضع مكتبات كاملة بأرصدتها المتعددة في جهاز صغير تصل قوة استيعابه ملايين الكتب ولا يتعدى وزنه المائتي غرام أو أقل. اليوم ومن خلال مكتبة iBooks غوغل الإلكترونية، تستطيع أن تسافر بمكتبة تكاد يكون حملها أكبر بآلاف المرات من الكتب التي كانت تحملها قوافل الأمير المثقف القارئ والتي اختصرها في "الأغاني". نركب الطائرة ونحن نحمل معنا مكتبة تفوق المائتي ألف كتاب، وقدرة الاستيعاب مفتوحة في الجهاز. نطلب كتابا صدر في أقصى العالم، ندفع ثمنه بطريقة بنكية مباشرة من خلال الجهاز نفسه، ودون أن تغادر مكتبك يصلك الكتاب على جهازك في ظرف ثوان، أي بمجرد تسديد سعره.
- لقد تطورت أجهزة المكتبة الرقمية ونحن لانزال في البداية، فالكتاب
الإلكتروني الذي نقرأه على الشاشة ليس غريبا في شكله ونظام تصفيفه فهو شبيه تماما بالكتاب الورقي، ويقرئ الكتاب مع تقليب الأوراق على الشاشة كما هي مع الكتاب الورقي، وكما مع الكتاب الورقي يمكن للقارئ أيضا أن يسجل ملاحظاته بقلم إلكتروني متوفر في الجهاز، يمكنه أن يخطط على الورقة الافتراضية أو يسطر تحت كلمة أو يكتب ملاحظات أو تعليقا في الهامش أو أسفل الصفحة، كما أنه بالإمكان البحث مباشرة عن معنى كلمة أو مفهوم أو إشكال، بمجرد استدعاء أو طلب خدمة المعجم.
- لكن حين ستدخل، ذات يوم، المكتبات برفوفها التي يصل طولها الكيلومترات
وبناياتها الضخمة ومكتبييها وأرشيفييها في قمقم هذا الجهاز المعرفي العجيب iBooks الذي لا يتجاوز حجمه حجم لوحة تلميذ السنة الأولى ابتدائي، حين يحصل هذا الزلزال العلمي المبهر، وزمن حدوثه ليس ببعيد وقد ابتدأ، على الأقل في جزء كبير من شمال الكرة الأرضية، نتساءل ما مصير المكتبات الكلاسيكية يا ترى؟ ما مصير دور النشر؟ وما مصير مصانع الورق؟ وما مصير أجهزة الطباعة الراقية؟ وما مصير الكاتب المبدع؟ ما مصير أطراف هذه الشبكة التي ظلت لقرون تصنع الكتاب وترعاه ليوصل المتعة إلى القارئ الكلاسيكي، الذي هو نفسه بدأ يتحول قليلا قليلا من قارئ ورق إلى قارئ للشاشة العجيبة؟ من قارئ كلاسيكي إلى قارئ جديد "قارئ شاشوي"؟
- أمام هذا الزلزال المكتبي الإلكتروني الرقمي المنظم،
سنفتح أعيننا ذات صباح قريب، لنجد عالم الكتاب قد تغير، انقلاب كلي وشامل:
- أولا: سنجد المكتبات الورقية وقد تحولت بكتبها الحالية إلى متاحف،
متاحف للكتب؟ سيجيء جيل من القراء الرقميين الافتراضيين ليستغربوا علاقتنا التقليدية مع الكتاب ويصبح طعم تلك العلاقة من بقايا نوسطالجيا الزمن المكتبي الجميل. ربما؟؟؟
- ثانيا: ستتحول دور النشر بمطابعها التي كانت قبل سنوات تطبع آلاف
النسخ من الكتب الورقية، إلى دور نشر إنتاج كتب بنسخ قليلة جدا وبتقانة جديدة عالية وبحس فني متجدد، وبموجب ذلك تتحول هذه الكتب الورقية الجديدة إلى ما يشبه القطع الفنية، بقيمة تعادل ربما قيمة اللوحات الفنية، وبذلك تدخل الكتب الورقية التي لن ينقطع بيعها ولا صناعتها خانة الفن التشكيلي وخانة التحف الفنية. وستشهد الطباعة الورقية الفنية للكتب تنافسا كبيرا وسيتحول سوقها من سوق العامة إلى سوق يشبه سوق "المخطوطات" في زمن ازدهار سوق الخطاطين والوراقين في "تومبوكتو".
- ثالثا: وحده، الكاتب المبدع سينجو من هذا الزلزال، من هذا الطوفان،
سيستمر في الكتابة والإبداع ولكن بحس آخر تجاه القارئ والقراءة وتجاه الوقت وتجاه الآلة، وحده المبدع الكاتب سيكون مثل سفينة نوح ناجيا من أمواج الطوفان، لأن لا مكتبات ورقية ولا مكتبات افتراضية إلكترونية تستطيع العيش في غياب هذا الكاتب المبدع. لا حزب الأصفهاني ولا حزب غوغل يستطيع الاستغناء عن المبدع، هو المحرك التاريخي الدائم.
الشروق أون لاين | |
|