فشل اوباما يقلل احتمالات انتخابه من جديد
صحف عبرية
2010-12-17
استعرضت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطابها في
منتدى 'سبان' الوضع الحالي لمسيرة السلام الاسرائيلية الفلسطينية، وذلك
على خلفية فشل جهود الادارة لتجديد الاتصالات المباشرة بين الطرفين على
أساس استعداد اسرائيل لاستمرار التجميد ثلاثة اشهر. أفضى هذا الفشل الى
انتقاد شديد لادارة اوباما.
بيّنت وزيرة الخارجية في بدء كلامها، أن
أهداف الادارة غير موجهة الى تسوية مرحلية محدودة بين الطرفين بل الى تسوية
كاملة شاملة، تشتمل ايضا على نظام تفاهمات وترتيبات مع العالم العربي
عامة. وأكدت أنه قد حان وقت علاج الموضوعات الجوهرية للصراع: الحدود (في
المكان الاول) والأمن، والمستوطنات والمياه واللاجئون والقدس.
حاولت
كلينتون عرض صورة موقف متزن بين الطرفين والتحرر من صورة ادارة غير مشايعة
لاسرائيل بل ربما تكون معادية، استعملت مصطلحات يمكن أن تُرى قريبة من
مواقف ومطالب عرضها رئيس الحكومة نتنياهو. بيّنت من جملة ما بيّنت مرتين
على الأقل أن هدف الادارة هو الافضاء الى حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني
مرة واحدة والى الأبد. ويصعب ألا يخطر في البال أن كلينتون قد أرادت بهذا
الكلام أن توحي الى نتنياهو بأنها مشايعة لموقفه الذي يرى أن التسوية يجب
ان تكون 'نهائية'، بمعنى أن تضع حدا لكل مطالب الفلسطينيين من اسرائيل.
كذلك
توحي ايضاحات وزيرة الخارجية، ان الادارة ترى دولة اسرائيل 'وطنا تاريخيا
للشعب اليهودي' بمناصرة لمطالب رئيس الحكومة نتنياهو، أن على السلطة
الفلسطينية ان تعترف بأن دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وبصلة الشعب
اليهودي التاريخية بأرض اسرائيل.
بيّنت كلينتون ان الولايات المتحدة لا
تكتفي بتفضلات كلامية على اسرائيل. في فترة ولاية الرئيس اوباما تم تعميق
وتوسيع العلاقات الاستراتيجية الأمنية بين الدولتين على نحو لم يسبق له
مثيل. ستقف الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل كلما نشأ تهديد لها.
فالعلاقات بين الدولتين 'صلبة كالصخر لا يمكن زعزعتها'.
تناولت 'قطعة
حلوى' اخرى اشتمل عليها كلام وزيرة الخارجية الحاجة الى ادماج التسوية
الاسرائيلية ـ الفلسطينية في اطار تسوية سلام اقليمية شاملة. وفي هذا
السياق دعت دول المنطقة الى ان تمنح مبادرة السلام العربية جانبا أكثر
تحديدا واتساعا. ومن شبه المؤكد ان القصد الى توسيع علاقات التطبيع مع
اسرائيل.
بعد 'كلام التليين' هذا، بلغت كلينتون الأساس: وهو الحاجة الى
تقديم مسيرة السلام. وأكدت أن تحقيق مطامح الفلسطينيين الشرعية ليس مصلحة
الفلسطينيين فحسب بل مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة ايضا. وبيّنت كلينتون
في تناول غير مباشر وانتقادي لنظرية 'النمو من أسفل' التي يقودها رئيس
الحكومة نتنياهو، انه برغم أنه ينبغي مباركة التهدئة الأمنية والنماء
الاقتصادي في السلطة الفلسطينية فان هذا لا يأتي بديلا عن تسوية سياسية.
ومن يعتقد خلاف هذا يُعبر عن تصور مخطوء خطر. تلتزم الولايات المتحدة العمل
على تحقيق حقوق الفلسطينيين الشرعية. فعدم التقدم في هذا الاتجاه غير
مقبول من وجهة نظر الادارة.
أكدت كلينتون في هذا الاطار ان الولايات
المتحدة ستدفع الطرفين ايضا الى عرض مقترحاتهما ومواقفهما من القضايا
الجوهرية بلا تأخير وبتفصيل ملائم. وأكدت كلينتون ان الولايات المتحدة لن
تكتفي بذلك. فلن تتردد الولايات المتحدة في الفرصة الملائمة وفي نطاق
الحوار السري الذي تجريه مع كل واحد من الطرفين عن القاء مقترحات منها
للتقريب بين مواقف الطرفين.
بدأت وزيرة الخارجية وكأنما كي تُبيّن أن
نوايا الادارة هذه المرة أكثر جدية من الماضي وأنها لن تُمكّن من 'جر
قدمين' كما كانت الحال حتى الآن، بدأت تفصل مواقف الادارة من القضايا
الجوهرية. القضية الاولى التي اختارت كلينتون بحثها، ومن المؤكد ان هذا ليس
أمرا عرضيا، هي قضية الحدود. وبهذا أوحت وزيرة الخارجية برسالة الى
اسرائيل تقول ان الادارة تميل الى قبول موقف الفلسطينيين الذي يرى انه
ينبغي قبل كل شيء بحث قضية الحدود لا ترتيبات الأمن كما تريد اسرائيل.
لم
تكتفِ وزيرة الخارجية بهذا. فقد أكدت ان المنطقة بين الاردن والبحر يجب أن
تُقسم بين الطرفين بحيث يعلم كل واحد أي جزء هو له. يجب أن توجد حدود
واضحة متفق عليها بين الطرفين. مع ذلك 'أوحت' وزيرة الخارجية بتفهم صريح
لاحتياجات اسرائيل الأمنية على خلفية التجارب الصعبة إثر الانسحاب من قطاع
غزة ولبنان. وأكدت انه لا يجوز ان تجعل الحدود التي ستُحدد دولة اسرائيل
قابلة للاصابة جدا وانه ينبغي اتخاذ خطوات لمنع تجدد الاعمال الارهابية
عليها.
بيّنت كلينتون ان قضية القدس صعبة وحساسة. يجب على الطرفين، ولا
سيما اسرائيل، أن يفهما انه توجد مصلحة في القدس لا لهما فحسب بل لمؤمنين
كثيرين في العالم. يجب أن تؤخذ مصالحهم في الحسبان في اطار الاتفاق الذي
سيصاغ في هذه القضية. وفي تقديري انه يوجد هنا أكثر من رمز الى الحاجة الى
ترتيب دولي لقضية القدس. تذكرون ان ترتيبا من هذا القبيل عرضه رئيس الحكومة
ايهود اولمرت على الفلسطينيين. ومن شبه المؤكد ان وزيرة الخارجية تتناول
ترتيبا على هذه الشاكلة.
ماهية مخطط (هيلاري) كلينتون
بعد
ارتقاب متوتر لجواب سؤال كيف تنوي ادارة اوباما تحريك مسيرة السلام
الاسرائيلية الفلسطينية، خرج الثعبان من الكيس في نهاية الامر. إن
التقديرات المختلفة التي سادت، وهي ان خيبات الأمل الشديدة التي كانت نصيب
الادارة في السنتين الاخيرتين وأضرت بمكانتها ووضعها الصعب في الداخل، ربما
تقودها الى مضاءلة مشاركتها في المسيرة السلمية، تبين وهمها تماما. يتبين
ان الادارة بعيدة عن أفكار 'الانطواء' في هذا السياق، والعكس هو الصحيح.
فهي تنوي تعميق مشاركتها في احراز تسوية.
إن مضمون كلام وزيرة الخارجية،
وأكثر منه اسلوب الكلام و 'لغة الجسم' - لا يمكن ألا تُحدث انطباع أن
ادارة الرئيس اوباما قد ضاقت ذرعا في كل ما يتعلق باستمرار مسيرة السلام
الاسرائيلية الفلسطينية. يوحي كلام كلينتون على نحو واضح بتصميم امريكي
على 'البت' في أسرع وقت، وصياغة مواقف واضحة من القضايا الجوهرية، مع تجاوز
القضايا التكتيكية الاجرائية. توصلت ادارة اوباما بعد جهود فاشلة في جلب
الطرفين الى تفاوض مباشر، الى استنتاج ان المحادثات المباشرة بين الطرفين
في الظروف الراهنة لن تفضي الى نتائج عملية فورية في الاتجاه الى تقديم
التسوية. ان الولايات المتحدة هي التي يجب عليها أن تتحمل مسؤولية صياغة
مواقف وجعل الطرفين يتبنيانها. هذا تغيير واضح لنهج عمل الادارة في قضية
التسوية.
أوضحت وزيرة الخارجية بلغة لا لبس فيها، ان الادارة الامريكية
لا تستطيع ان تفرض حلا على الطرفين. حتى لو كانت تستطيع فانها غير معنية
بذلك كما قالت. يجب ان تأتي التسوية عن اعتراف الطرفين والشعبين بالجدوى
الكامنة فيها. على هذا النحو فقط ستصمد زمنا طويلا. يصعب أن نفترض ان 'كلام
التسكين' الموجه الى اسرائيل هذا، سيزيل المخاوف السائدة عند قيادة الدولة
من جهد الادارة لتفرض على اسرائيل تسوية على أساس معايير 'مخطط الزوجين
كلينتون' الرئيس ووزيرة الخارجية.
السؤال الرئيس بطبيعة الامر هو كيف
ستترجم الادارة هذا التصميم الى 'لغة الفعل'. ان ضعفها الداخلي البادي
للناظر ـ ومن جملة اسبابه الازمة الاقتصادية، وتسريب الوثائق السرية،
والفشل في انتخابات مجلس النواب واقتراب أجل انتخاب مرشح الرئاسة، سيُصعب
عليها بلا شك ان تعمل بالتصميم المطلوب لتحقيق هذا المخطط.
قد تدل حقيقة
ان وزيرة الخارجية هي التي عرضت المخطط الحالي، على ان الرئيس اوباما يريد
في هذه المرحلة على الأقل، ألا يُقرن شخصيا بهذا المسار الذي احتمالات
نجاحه غير مضمونة. فالرئيس اوباما تلقى آخر الأمر اصابات شديدة في السنتين
الاخيرتين حول علاجه لقضية التسوية الاسرائيلية الفلسطينية، وإن فشلا آخر
في الفترة التي سيبدأ فيها السباق الى البيت الابيض، قد يضر باحتمالات أن
يتم انتخابه من جديد.
' نشرة الكترونية تصدر عن مركز بحوث الامن القومي.
نظرة عليا 17/12/2010