في الوقت الذي انهت فيه اسرائيل بناء نفق على الحدود اللبنانية بطول 160 كم موازياً لنفق حزب الله، وبالطبع اكثر تجهيزاً منه، وبعد تصريحات قادة العدو عن اقتراب موعد جولة جديدة من العدوان لاعادة الاعتبار لكرامة جيشهم المهزوم، وفي الوقت الذي تقطع أوصال الحقوق الفلسطينية على مذابح شرم الشيخ وواشنطن، يختار الساسة اللبنانيون ان يشحنوا الاجواء ويوتروها بكل ماهو طائفي وغرائزي وكريه، وكأنهم يعيشون في عالم اخر وهمهم الوحيد تسهيل مهمة اسرائيل التي ذكرت مواقع اخبارية عديدة عن نيتها احتلال اجزاء مهمة من لبنان ….
ان يختلف رجلان من العامة حول امور مذهبية فهذا رغم تفاهته مقبول، لأن الوعي لدى البعض في حالة استرخاء وجمود، اما ان يتطوع نواب ووزراء وقادة قوى امنية لمهمة الشحن الطائفي والمذهبي فهذا غير مقبول وتلك طامة كبرى. وهذا ما حصل ويحصل في لبنان حيث وصلت الامور بنواب من امثال محمد كباره وهادي حبيش وجمال الجراح الى حد تحويل الخلاف حول شهود الزور والاشتباك الحاصل بين المدير العام السابق القوى الامن الداخلي ورئيس الحكومة سعد الحريري الى مسألة طائفية بامتياز، واعتبار الخلاف السياسي والقضائي خلافاً مذهبياً ضد زعيم السنة !! ولست ادري من اين جاءت تسمية زعيم السنة وما هو مفهوم الزعامة الروحية لأي طائفة دينية، اهو المال ام المنصب السياسي؟! وللحقيقة اقول بأنني اؤمن بالله وبالاسلام ديناً ولكنني ارفض تسمية سني وشيعي او ما ظهر بعد خلاف الإمام علي (رض) ومعاوية من تسمية اهل السنة والجماعة وشيعة علي، ولانني اؤمن بالله وامتثل لقوله الكريم، “تلك امه قدخلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلوا عما كانوا يفعلون” لا اريد ان ادخل في جدل بيزنطي حول المذاهب واترك ذلك لتجار الدين الذين تركوا جوهر الرسالة المحمدية والتفتوا نحو القشور والمسائل الدنيوية والنكاه والغرائز والتعاويذ وغيرها.
من حقي كعربي وكمسلم ان اسأل الذين يدعون الدفاع عن المذهب ما هو دورهم في الدفاع عن الوطن وماذا اعدوا لذلك، وان اسألهم عن دورهم في حماية القدس او فك الحصارعن اهل غزة او حتى عن معاملتهم للاشقاء الفلسطينيين الذين يعيشون عيشة الذل والهوان في مخيمات لبنان او عن مصير سكان مخيم نهر البارد الذي دمر منذ سنوات ولم يعاد إعماره؟!
في حياة لبنان السياسية ازمات عديدة بين رؤوساء الوزارات والنواب والجمهورية ، منذ رياض الصلح الى عبد الله اليافي وتقي الدين الصلح وصائب سلام ورشيد كرامي وسليم الحص وشفيق الوزان ولم نسمع يوماً بأن الهجوم على رئاسة الوزراء هو هجوم على الطائفة النسية او ان انتقاد رئاسة الجمهورية هو انتقاد للموارنة كمذهب، فماذا يحصل اليوم؟
بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري تعرض الرئيس عمر كرمي للإهانة والاتهام من قبل البعض واضطر للاستقالة ولم تتحرك طائفته لاستهدافه واعتبار ذلك استهدافاً للسنة، ولم يعتبر احداً ان استهداف الرئيس الاسبق للجمهورية العماد اميل لحود هو استهداف للموارنة فما الذي تغير حتى اصبح الرئيس سعد الحريري يختزل طائفة كاملة بشخصة، تماماً كما حصل مع سلفة فؤاد السنيورة حيث اعتاد مفتي الجمهورية بالصلاة معه في السرايا ايام الاعتصامات في بيروت.
هناك قضية جرمية في لبنان تتمثل في اغتيال الشهيد رفيق الحريري وفي شهود الزور الذين ضللوا التحقيق وخربوا العلاقات السورية اللبنانية وتسببوا بسجن قادة الاجهزة الامنية الاربعة لأربع سنوات، وقد اعترف بذلك علنا الرئيس الحريري الابن فلماذا يرفض القضاء اللبناني ملاحقة هؤلاء والتحقيق معهم؟ الا يفترض بمن يبحث عن الحقيقة ان يمسك بهؤلاء ويسأل عن من جندهم وفبركهم وحماهم؟ وهل يعقل ان يكون المحرض بريئاً من دم الشهيد ورفاقه؟!
المنطق يقول بأن الحقيقة هي اخر هموم ما تبقى من حركة 14 اذا وان الذين كرموا جون بولتون لا يبحثون عن القاتل الحقيقي بل يلهثون وراء نزع الشرعية عن المقاومة وسلاحها تلك المقاومة التي تدين للشهيد الحريري بالكثير الكثير…
لو كان رفيق الحريري حياً لما سمح بكل تلك السخافات والتحالفات المستحيلة بين القوميين العرب والشرفاء والثوار والعملاء والقتلة والجواسيس تحت راية 14 اذار…
يقولون واظن بأن حركة 14 اذار قد انتهت وخير دليل على ذلك خروج النائب جنبلاط منها وابتعاد رموز سياسية نظيفة عنها لاسباب عدة اهمها الحقد الدفين لبعض مكونات الحركة تجاه سورية والعرب عامة ولارتباط البعض الاخر بالخارج وخصوصاً العدو الاسرائيلي.
ما نتمناه ان يمارس الرئيس الحريري سلطاته وتأثيره لايقاف هذا الردح الطائفي الكريه من قبل بعض اعضاء تكتلة النيابي لان ذلك يضر بسمعته وبمركزه، فهو الذي قال بأن رئيس وزراء كل لبنان وليس طائفة بعينها وعليه ان يكمم افواه من يحرجونه حين يتعلق الامر بالعلاقة مع سورية فهو يؤكد على حسن العلاقات وهم يهاجمون سورية ليل نهار!! وهذا له تفسيران إما انه لا يسيطر على حزبه او انه يقول شيئاً في العلن وخلافه في الغرف المغلقة وفي كلا الحالتين فهو من سيدفع الثمن في النهاية والعودة بالعلاقات بين البلدين الى نقطة الصفر وحينها لن تنفع وساطات الملك عبد الله بن عبد العزيز ولا زيارات سمو الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني.
كفى لبنان خراباً وتخلفاً ولست ادري ماذا فعلت حكومات لبنان منذ نهاية الحرب الاهلية للبلد؟ الكهرباء مقطوعة والمياه تضيع في البحر والصرف الصحي غير موجود والتعليم الرسمي ميت واللبنانيون لا يجدون ما يدفعون به اقساط المدارس، رواتب الموظفين تتأخر، الكسارات تأكل الجبال والادوية والاغذية الفاسدة تملأ البلد و ….. وبعد كل هذا هل يعقل ان يتحدث الناس عن مسلم ومسيحي او سني وشيعي؟ كل اللبنانيين في ازمة والسبيل الوحيد لتنويمهم عن مأسيهم وعن تهديدات العدو يكون بالطائفية والمذهبية والدفاع عن مسميات سخيفة وعفنة
العالم العربي