اعلامي نزيه عضو مجتهد
عدد المساهمات : 58 تاريخ التسجيل : 20/09/2009
| موضوع: التدفق الإعلاني يحطم كل السدود السبت ديسمبر 04, 2010 2:05 am | |
| التدفق الإعلاني يحطم گل السدود منذ حوالي ثلاثين سنة، شاهدت إعلانا تجاريا لافتا للنظرعلى إحدىالشاشات التلفزيونية فيأوروبا.
يصور الإعلان واعظ إحدىالكنائس فوق دراجةهوائية في طريقه إلىكنيسته لإلقاء وعظة) الأحد، فيستوقفه أحد الرعايا القرويين الطليان ويدعوه لتناول وجبة (سباغيتي). فيعتذر الواعظ عنقبول الدعوة لأن المصلين بانتظارهفي الكنيسة. ويهمس القروي في أذن الواعظ بأن الوجبة ستكون مصنوعة من المعكرونة الشهيرة (بانزاني)! حينذ، يترجل الواعظ عندراجته ويقرر البقاء لتناول الوجبةمتناسيا قداس يوم الأحد في كنيسته!! في اليوم التالي، اشتريت هذا الصنف التجاري من المعكرونة، وبعد التجربة، ما أزال منذ ذلكالتاريخ اعتبرها خياري الأول. أريد القول أن للإعلان التجاري سطوة غير عادية علىالناس. ويدركالمتخصصون في الإعلانأبعاد هذه المسألة تماما، إذ غالبا ما يلجأون إلى إنفاق الكثيرمن الأموال على الإعلان التجاري في حالات الركود الاقتصادي، وهم بذلك يراهنون على عدم قدرة معظم الناس في البقاء بعيدا عندائرة تأثير الإعلانالتجاري.
في أيامنا هذه، ومع تزايدنشاط الصناعة الإعلانية التي هي سمة أساسيةلقيم السوق الرأسمالية، والتنافس المحموم الهادف إلى ترويج السلع، ازداد رسوخ هذه الصناعة، واستقطبت المليارات من الدولاراتوالملايين من العاملين في هذا الميدان،وصار الإعلان التجاري ملك الملوك في بلاط القرن الحادي والعشرين.
الإعلان يحطم كل السدود
سيول عارمة من الإعلاناتالتجاريةتعترض حياتنا، في الطرق،في الصحف، على الشاشات، داخل الدوائر الرسمية والمدارس والجامعاتوالمساجد والملاعب، وتجتاح هذه السيول عقولنا ومشاعرنا وأبصارنا وتهدم في طوفانها كل السدود الاجتماعية والمعرفيةوالوجدانية، وتؤسس لعصر جديد لامكان فيه لغيراستبداد النمط الإعلاني التجاري، في السياسة والتربية وفي ميادين العلم.
الإعلان التجاري لا يعرفمنطق الصدق، فهو حين يبالغ في الدفاع عن سلعةوشمائلها، يرتكب عن وعي مسبق منطق الكذب والخداع، والسلعة التي يدافع عنها الإعلان، معنوية كانت هذه السلعة أو مادية، هي الأمثلوالأفضل والأروع والأكمل، وما عداهاهراء! هناك أمثله استثنائية ولا شك، ومنها الذي ذكرته في مطلع مقالي، لكن القاعدة في الإعلان تستند إلى التزييف ومصادرة وعيالمتلقي.
وأشهر دليل على امتهان الوعي والعلم والمعرفة، مئات الإعلانات التجاريةعلى مدى نصف قرن، تروج لمئاتالمستحضرات الصيدلانية، وجميعها قادرة وفقا للإعلانات التجارية على وقف هجمة الصلع وإعادة الشعر إلى سابق عهده عند الرجال، والحقيقةالعلمية أن هناك ثلاثة أو أربعةمستحضرات فقط أثبتت فعالية نسبية، ولدى أفراد معينين وليس لدى الجميع، وأكدت فعاليتها العلاجية في هذا الموضوع، خلال الخمسين سنةالمنصرمة! وطالما أن لا حسيب ولارقيب على مضمون الإعلان التجاري، فسيأتي اليوم الذي يزعم فيه أحدهم أنه اكتشف إكسير الحياة، وقطرة منه تقيك من كل الأمراض، وقطرةثانية تهبكالخلود!!
المعلن أو المعلم
سبق لي أن أشرت في هذاالمكان إلى تحقيقعلمي رصين نشرته مجلة(الناشيونال جيوغرافيك) في عدد كانون الثاني/يناير 2005 عن مخاطر الكافئين والإفراط في استخدام تركيزات عالية منهفي بعض المشروبات المنشطة، وهيمشروبات شائعة جدا لدى شرائح الشباب في أيامنا هذه، وتنفق الشركات الصانعة لهذه الأصناف مئات الملايين للترويج لها، وقد ثبت بالدليلالقاطع أن هذه المشروبات قادت إلىنتائج وخيمة لدى البعض! العلم والمعلم يحذران من فرط تناول هذه النوعية والمشروبات، والمعلن يعطيك حوافز وجوائز إذا اشتريتكميات منها، والذي يحصل في الأسواقأن المستهلك اعتاد أن يصدق المعلن ويصم أذنيه عن سماع صوت المعلم.
بين التلفزيون الحكوميوالخاص
قرأت أن قناة (روتانا)دفعتللفنان عادل إمام مائةألف دولار لقاء مقابلة أجرتها معه الإعلامية هالة سرحان، وأن العائد الإعلاني التجاري للقناة كان حوالي خمسة ملاييندولار!! الفنان عادل إمام ربحالكثير، والإعلامية تتقاضى الكثير، والقناة تكسب الكثير، والشركات التجارية الراعية تتصاعد أرباحها، فمن الخاسر في هذه الدوائرالمتداخلة؟؟ لا بد من خاسر وإلا ففيالمسألة إن!
يخيل لي أن المتلقي هوالخاسر المحتمل، وذلك إذا انطلت عليه أحابيلالإعلانات التجارية التي ستقطع عليه متابعة اللقاء المشار إليه كل ثلاث دقائق.
هذه حبة صغيرة تمنع تسوسالأسنان مدى العمر، وهذا الرذاذ الكيميائي يعيد ملابسكجديدة كما اشتريتها من البائع أول مرة، وهذا المبيد الحشري ينهي السلالة الصرصارية من أصلها، وهذه البطارية تدوم ستة أضعافمنافساتها من النمط نفسه، وهذا الكتابالشهير باع ثلاثة ملايين نسخة، وهكذا دواليك...
ولا بد من وجود شريحة من الناس تصدق كل مايقال، وهي الشريحة التي ستسارع إلىاقتناء الكتاب الشهير ودفع ثمنهثم وضعه على الرف، حيث ستجد الصراصير الناجية من فتك المبيد في هذا الكتاب مرتعا لها!!
من هذه الناحية تبدوالتلفزيونات الحكومية أقل ضررا. ولأسباب خارجةعن نطاق بحثنا، يبدوأن الشركات التجارية تدرك أن نسبة المشاهدة للقنوات الحكومية أقل من نسبة المشاهدة للقنوات الخاصة، لذا، فهيتفضل الثانية كمكانللإعلان عن السلع. ومنهنا فالتلفزيونات الحكومية من هذه الناحية أخف وطأة على عقل المشاهد.
الإعلان التجاري وامتهانالعقل
الفيصل بين العلموالخرافةهو العقل. إن المتابعلمضامين الكثير من الإعلانات التجارية يعرف أن الشطط والخرافة سمتان واضحتان لها، وبكلمة أخرى، فهي تحط من قيمة العقلوتسخر منه.
هذا حذاء رياضي يكفي أن يلبسه الشاري ليصبح من أسرع العدائين،وذلك النوع من إطارات السيارات يمنعوقوع الحوادث، وتلك العبوة من الزيت الخالي من الكولسترول يهبك طول العمر، وإن أقدمت على تسجيل أولادك في هذا المعهد أو الجامعة ستكونقد ضمنت لهم التفوق وربما جائزة نوبل.وليس أكثر استهانة بالعلم والعقل من ذلك الإعلان التجاري لحليب الأطفال الذي يجزم بأن لا حليب آخر يضاهيه سوى حليب الأم!! أوالإعلان الذي يدافع عن أجود سيجارةخفيفة!!
مثل هذا الإمعان فيالاستخفاف بعقول الناس يفضي بالضرورة إلى تمكينالخرافة وتأصيلها في عمليات محاكمتهم العقلية، ويغيب كل اجراء لتحصين تفكير المستهلك من الاعتداء اليومي الصارخ عليه.
في أمريكا، وعلى مدى نصفقرن، يقفرالف نادر ليدافع عنالمستهلك من أي تجاوز أو كذب يدعيه الإعلان التجاري ويزعمه لنفسه. أما نحن، ومع هذه الفوضى الفضائية التلفزيونية والنموالسرطاني لعددالمحططات، فلا حول لناولا قوة، وستتفاقم أضرار الإعلانات التجارية على الثقافة والتربيةالجادة بمرور الوقت، إلا إذا أنشأنا هيئات على غرار ما يفعل السيد رالف نادر في أمريكا.
منقول للفائدة
| |
|