اسباب الحملة الصليبية الاولى بانها : تزايد السكان فى الغرب ، وجهود الكنيسة لمنع الحروب المحلية بين الشعوب المسيحية : اضافة الى الاسباب الاقتصادية ومن المؤكد ان الكنيسة كانت حريصة على اقناع طبقة الفرسان بتحويل طاقاتها العدوانية وتوجيهها ضد غير المسيحيين ويتفق هذا مع ما اعلنه ( البابا ) اوربان فى احد خطبه
ليتحول اولئلك الذين كانوا لصوصا فى يوم ما الى جنود من جنود المسيح ، وليحصل على جائزة الخلود الابدى اولئك الذين كانوا جنودا مرتزقة لقاء قروش زهيدة ) .
ومع امتلاء قلوب الصليبيين بالحماسة الدينية فقد عرفوا ايضا المكاسب المالية للقتال فى الشرق الاوسط الثرى .. وانما نجد فى ( اغنية انطاكية ) الكلمات التالية ( هنالك على الأرض المعشبة اما ان نفقد رؤوسنا واما ان نصبح اثرياء بالفضة والذهب البراق ، حتى اننا لن نكون بحاجة الى الاستجداء من رفاقنا ) ولكن قانون الفروسية كان يفرض ايضا الالتزام ببعض القواعد .. وخاصة حينما يقاتل مسيحى مسيحيا اخر مثله وسرعان ما اتضحت مزايا محاربة الكفرة على ارض بلادهم الغنية ..
وحاولت الحملة الصليبية الثانية التى اعلنها ودعا اليها البابا ايوجينيوس الثالث العام 1146 ان تستغل نجاح الحملة الاولى وقد توافر المبرر لشن تلك الحملة باعادة احتلال الكفار لبعض الاراضى التى كان قد تم غزوها وخاصة مدينة Edessa غير ان الاسباب الحقيقية تتطابق مع تلك التى دفعت الحملة السابقة وحركتها ومع ذلك ففى هذه المرة وجه النداء الى ابناء الصليبيين الاوائل لكى يحرزوا ما حازه اباؤهم من شرف وخلاص ( وحتى تزداد كرامة اسم المسيح فى زمننا وحتى تظل شهرة قوتكم – التى اثنى عليها العالم كله – فوق كل شبهة لا يلوثها شئ ) ومد القديس برنارد الداعى الرسمى الى الحملة الصليبية الثانية نداءه لمقاتلة المسلمين ليس فى الاراضى المقدسة فقط وانما فى اسبانيا ايضا والى مهاجمة قبائل الوثنيين السلاف فى شرق وجنوب شرق اوروبا .
وبعد ان اوقع صلاح الدين الهزيمة بالصليبيين فى موقعة حطين العام 1187 واعاد فتح القدس شنت الحملة الصليبية الثالثة 1189 – 1192 لاستعادة الاراضى المقدسة ، ودعا البابا جريجورى الثامن العالم المسيحى للثار لضحايا ( البرابرة المتوحشين ) وتعين ان تصبح الحجج الدينية اكثر عنفا وقوة .. وبدلا من ( الخلاص الابدى ) راحت الكنيسة تعرض حمايتها للاراضى والممتلكات والسلع التجارية وبدأ التبرير القائل : ( اننا لا نبغى السلام لكى نشن الحرب ولكننا نشن الحرب لكى نحصل على السلام ) .
وقد ادى تعرض الصليبيين للقدرات القتالية التى تمتع بها المسلمون العرب ، ادى بهم فى النهاية وبشكل حتمى الى احترام اعدائهم والى الاعجاب بهم ويحدث هذا فى غالبية الحروب حينما يتبين الجنود ان صورة اعدائهم التى رسمها لهم رجال الدعاية نادرا ما تتفق مع الحقيقة ويعجب المقاتلون بالمقاتلين اذا ما اظهروا فى ميدان المعركة الصفات والميزات التى يستطيعون ان يحترموها وان يدركوا قيمتها بفضل تدريبهم وتجربتهم وقد شهد احد المصادر فى كلامه عن معركة ضوروليوم العام 1097 بانه لو ان المسلمون قد امنوا بالروح القدس لكان من المستحيل ان نجد من هم اكثر منهم قوة او اكثر شجاعة او اكثر مهارة فى فن الحرب .
الباب الثانى
الدعاية للحرب فى عصر البارود والمطبعة
وعصر الاعمال الحربية الثورية
القسم الثالث
الدعاية للحرب فى عصر البارود والمطبعة
5- الفنون الحربية فى عصر النهضة
تزامن ظهور الطبعة فى تطورات مهمة اخرى فى النشاط البشرى وخاصة فى مجال ادارة العمليات الحربية لقد لاحظنا من قبل وصول البارود فى اواخر العصور الوسطى على رغم تاثيره كان تاثيرا نفسيا اكثر منه تاثيرا حربيا او عسكريا ، ولكن استخدامه الحربى فى اواخر القرن الخامس عشر كان قد تم احكامه فى شكل المدفع والاسلحة التى تحمل باليد – وادت هذه بدورها – مثلما رأينا – الى نفى الطابع الشخصى عن القتال وزادت من البعد المادى بين القوات المتحاربة فقللت بذلك من الحاجة الى رفع شجاعة الرجال لكى يندفعوا الى منازلة بعضهم البعض فى الاقتتال المباشر الذى تميزت به المراحل السابقة وازداد حجم الجيوش وظهرت تكتيكات جديدة لعملية خوض المعارك وعمليات الحصار ( مثل ابتكار المعاقل الثقيلة التحصين لمقاومة نيران المدفعية بفاعلية اكبر ) حيث ضاقت المسافة الفاصلة بين الجنود والمدنيين وقد كتب احد الكتاب الانجليز فى العام 1598 قائلا ( اننا نادرا ما نرى فى ايامنا تبادل الرجال للضربات مثلما كانوا يفعلون فى الايام الخالية )
وقد ادت عمليات الحصار الحربية التى ميزت المراحل الاخيرة من حرب المائة عام الى توريط السكان المدنيين الى درجة غير مسبوقة فى بشاعات المعارك اذ اصبح من الضرورى الانتباه الى معنويات اهالى المدن المحاصرة التى تدكها نيران المدفعية تماما مثل سكان المناطق الذين وجدوا انفسهم خاضعين لجيوش الاحتلال الاجنبية وقد ظل سكان مدن النهضة فى ايطاليا – بسبب وعيهم الذاتى بتطورهم الثقافى فى مجالات الفنون والفلسفة – قابلين للتاثر العميق بالافكار العسكرية ، ففى فلورنسا على سبيل المثال اقام الحكام من اسرة الميديتشى MEDICI معارك واعمال حصار تمثيلية ، بل حاكوا مواكب الانتصارات الرومانية لكى يرفهوا عن رعاياهم – ولكى يذكروهم بالطبع – بمن هو المسئول الحاكم ، ان افضل ما يذكر الانسانية بالمدن الايطالية التى ازدهرت فيها النهضة فى القرن الخامس عشر هو منجزاتها الفنية غير ان نظرة سريعة الى الفن سوف تؤدى الى تذكيرنا بان فكرة الحرب والعنف كانت ما تزال حية وفى خير حال فقد كان الغرض من الصور فى الفن كما فى الكتابة هو التسرية والاقناع وكانت القابلية للتصديق والمعقولية ضرورية للنجاح كعهدها على الدوام ومن هنا ياتى انشغال عصر النهضة بالاسلوب ( مثل المنظور ) والمشروعية التاريخية ( التى هيات للعقل اراء وصور للماضى اقل واقعية ولكنها اكثر مصداقية ) وكان فن الخطابة والكتابة النثرية قد بلغ حد الكمال . وفى بعض المدن مثل روما البابوية ، نفذت مشروعات ضخمة لتشييد الابنية الكبيرة لتمجيد انجاز الانسان عبر الحرب وخاصة بعد توقيع اتفاقية لودى للسلام فى العام 1454 التى جاءت لايطاليا بفترة من الهدوء دامت نحو نصف قرن ، واقتداء بالتقاليد الخاصة بالصور الدينية التعبدية والمزارات والذخائر المقدسة فقد استخدمت السلطات المدنية اجساد القديسين وابطال العصور القديمة لخدمة اغراضها الخاصة ( ومن الامثلة المشهورة تمثال داوود لميكل انجلو فى فلورنسا ) لحماية المدن ولإبعاد الاعداء والشرور مما يهئ نقطة تجمع نفسية فى اوقات الازمات واستخدمت اعادة كتابة التاريخ لاستثمار عملية محاكاة امجاد الماضى الرومانى ، ودفعت الاموال للنحاتين كى ينحتوا تماثيل للقادة وهم على صهوات الخيول مثل قيصر ، بينما بدا جنود المشاة الاقل بريقا فى الظهور فى الاعمال الفنية وبخاصة فى اعمال نحات الخشب الالمانى البريخت دورر
وفى العام 1471 كتب محارب قديم من جنود حرب المائة عام يقول :
( اصبحت الحرب مختلفة جدا ففى تلك الايام حينما كان يتوافر لك ثمانية او عشرة الاف رجل كنت تعتقد انهم جيش ضخم للغاية اما اليوم فالامر مختلف تماما فالمرء لم ير ابدا جيشا اكثر عددا من جيش مولاى لورد بورجوندى ولا فى كثرة ما لديه من كل من المدفعية والذخائر من كل الانواع ، فلست معتاد ان ارى كل هذا العدد الضخم من الجنود معا فكيف تستطيع ان تمنع الفوضى والارتباك بين مثل هذه الكتلة الضحمة ؟ )
وكان الفرنسيون هم الذين استثاروا الاندفاع الى زيادة احجام الجيوش بالمثال الذى ضربوه حين اسسوا اول جيش عامل دائم فى اوروبا فيما بين العامين 1445 و 1448 يتيح كيانا دائما ومحترفا يتبع الملك مباشرة ، حيث لم تعد المكانة الاجتماعية هى التى تهيئ المرء بشكل آلى لتولى القيادة واتبعت بورجوندى هذا المثال فيما بين العامين 1465 و 1466 ومرة اخرى ادى هذا التطور الى نسف الافكار الفروسية كما ادى الى المزيد من التخصص فى الجيوش الجديدة غير الارستقراطية وساعد على هذا بشكل اكبر ازدياد استخدام المرتزقة وخاصة من السويسريين والالمان الذين جلبوا معهم اسلحة ومهارات قتالية متخصصة مثل القربينة ( وهى بندقية طويلة المدى ذات ماسورة منتفخة النهاية تساعد على استيعاب شحنة بارود ورصاص كبيرة ) والرمح المستعرض المزود بمخلب جانبى
وحينما قام الملك الفرنسى تشارلس الثامن بغزو ايطاليا فى العام 1494 فبدأ بذلك الحروب الايطالية التى انتشرت عبر اوروبا كلها بسبب المنافسة بين اسرتى هابسبرج ( النمساوية ) وفالوا ( الفرنسية ) واستمرت حتى العام 1599 ، فان جيشه لم يكن يتكون من الفرنسيين فقط وانما كان يضم ايضا مرتزقة من سويسرا واسكتلندا بل ومن ايطاليا نفسها وقد جاءت افضل قوات مرتزقة من بلدان كانت قد تمزقت وتجزات بسبب الفوضى الداخلية فكانوا رجالا لا يملكون شعورا بكبرياء ( وطنية ) وانما كانوا قد اعتادوا على العنف ، فكانوا لذلك مستعدين لأن يبيعوا مهاراتهم لمن يعرض اعلى سعر .
كان المال هو المحرك الاكبر لدى مثل هؤلاء الرجال ، فوجه مستخدموهم دعايتهم فيهم نحو الوعد بالجوائز المالية ولكن هذا لم يكن يفعل مفعوله على الدوام ، فحينما كانت المخاطر تفوق الجوائز كان المرتزقة يظهرون هشاشة ولائهم وضعفه – مثلما حدث فى العام 1525 حينما هجر السويسريون صفوف الفرنسيين قبيل معركة بافيا لانهم لم يكونوا قد حصلوا على رواتبهم وكان من الافضل الاعتماد على من يمكن الوثوق بهم من رجال تم تجنيدهم من الدول القومية البازغة ، رجال يتمتعون باليسير على الاقل مما ندعوه الان بالنزعة القومية او الوطنية ومع ذلك وعلى الرغم من دعوة ماكيافيللى الى انشاء ميليشيا المواطنين فلقد ظل الفارق والتمييز واضحين بين الجندى الذى يعد القتال هو وظيفته وبين المدنى الذى يكون واجبه ان يمول الجندى وان يؤازره .
اما بالنسبة لسؤال محاربنا القديم فان طرقا عدة قد استخدمت لمنع ( الفوضى والارتباك ) او بتغيير اخر بهدف المحافظة على المعنويات لقد حددت شارات ورايات معينة لقادة الوحدات المحترفين الجدد وتعين ان تقاتل حولها الوحدات الاصغر من الرجال ، وعلى حد قول المقال عن الفنون القالية بعنوان ( اصول الحرب ) فانه لا شئ انفع لتحقيق النصر من اطاعة اوامر الراية ، وتكفل ضابط الامدادات بوجود المؤن بشكل افضل على رغم ان وجودهم فى حد ذاته يشير الى ان المعنويات كانت مشكلة كبيرة وخاصة حين يتعلق الامر بمسالة الايواء والتسكين وفرض ارتداءالازياء الرسمية الموحدة لزيادة الاحساس بالهوية الجماعية ولكى تمنح الجنود الثقة بانهم لن يهاجموا من الخلف او يقتلوا بايدى زملائهم فى حمى المعركة ( على رغم ان الازياء الرسمية الموحدة استهدفت تعريف الجنود للاعداء ايضا ) وتطلب وجود هذا العدد الكبير من الرجال فى الميدان ابتكار طرق جديدة لاصدار الاوامر والتعليمات ولذلك حل الشفاهى محل المرئى ( خاصة ما لحق الرؤية الان من تعتيم بسبب دخان البارود ) وذلك بزيادة استخدام قارعى الطبول ونافخى الابواق او المزامير وهو ما يبدو انه كان ابتكار المرتزقة السويسريين والالمان ، وعلى حد ما كتبه احد المصادر فى القرن السادس عشر :
( ان الضجة التى تصنعها جميع الالات كانت تهدف الى اطلاق الاشارة والتنبيه للجنود لكى يضربوا احد المعسكرات او ان يتقدموا اوينسحبوا وكانت تهدف ايضا الى ملئ قلوبهم بالشجاعة والجسارة لكى يهاجموا العدو لدى ابصارهم له وان يدافعوا عن انفسهم برجولة وقوة ذلك ان الجنود يمكن ان يسيروا فى اضطراب وفوضى حتى يصبحوا معرضين لخطر الاجتياح والهزيمة )
وهكذا اصبح عازفوا الموسيقى العسكرية جزءا عضويا من المعنويات القتالية تماما مثلما كانوا فى بعض الجيوش القديمة وعلى حد ما اثبته الاستاذ هيل HALE فان هذه الموسيقى العسكرية – على رغم انتقادها انذاك لأنها ( بالغة التاثير فى اثارة الشهوة الى الدماء ) فقد كونت جزءا من عملية الاعداد الموجة ومن البيئة اللتين كانتا على المستوى ذاته من الاهمية الذى كان للازياء الرسمية وابهة المواكب برموزها او التدريب وذلك فى مجال دفع الجنود الى القتال
ومن الاساليب الاخرى لرفع المعنويات الماخوذة من العصور القديمة يبرز اسلوب الخطب الحماسية السابقة على نشوب المعارك ، وقد التفت ماكيافيللى مثل الكثيرين غيره من معاصريه – الى الوراء نحو بلاد الاغريق وروما بحثا عن الامثلة فكتب يقول :
( قد تؤكد اشياء كثيرة دمار جيش من الجيوش اذا لم يعمد القائد الى تحميس رجاله بالخطب الرنانة كل حين لانه بذلك قد يطرد خوفهم من قلوبهم ويلهب شجاعتهم ويثبت من عزائمهم ويبرز لهم ما وضع فى طريقهم من فخاخ ويعدهم بالجوائز ويعلمهم بالمخاطر وطرق الهروب منها ويوجه اللوم ويستعطف ويهدد ويوبخ ويشجع . )
ولا يوضح لنا احد كيف كان ذلك لم يتم مع قوات جيوش اكبر حجما ومتعددة القومية غير ان دروس قيصر لم تكن – بوضوح – قد ضاعت من ذهن احد القادة الذى صاح فى العام 1544
( زملائى الجنود ، فلنقاتل الان بشجاعة فاذا كسبنا المعركة فلسوف نربح مجدا وشهرة اكثر مما حقق اى واحد من رجالنا من قبل ، ان التاريخ يسجل انه حتى الان وفى كل مرة قاتل فيها الفرنسيون الالمان قتالا مباشرا فاز الالمان بالنصر ولكى نثبت اننا رجالا افضل من اسلافنا فلا بد لنا ان نقاتل بشجاعة مزدوجة لكى نقهرهم او نموت ،ولكى نجعلهم يعرفون اى نوع-نحن-من الرجال )
ثم فى حالة اذا لم يتعرف العدو عليهم من ازيائهم قام لقائد المحنك باعطائهم درسا سريعا فى كيفية الامساك بالرمح السويسرى قبل دفع الاعداء امامهم : ( وسوف ترون كيف سيهربون متعثرين ) ونادرا ما تبدى المصادر المعاصرة شكوكا فى نجاح مثل تلك الخطب ويشهد كلود دى سيسيل – بفاعليتها فيكتب قائلا انها قد غرست ( شجاعة كبيرة فى قلوب الجيش باكملة الى درجة جعلهم شجعانا كالاسود فيما كانوا حتى تلك اللحظة يصيبهم الخوف كالاغنام ) ومهما كان تاثير تلك الاستفسارات فانها اصبحت وسيطا اساسيا لتوصيل الدعاية اذا كان للرجال ان يخاطروا بحياتهم فى سبيل طموحات الملوك المتوارثة فلم يعد بمـقدور مفهــوم
( الحرب العادلة ) القديم ان يحظى بالاحترام خاصة حين قاتل المسيحيون ضد مسيحيين وقد حاول شارلس الثامن ان يبرر غزوه لايطاليا بانه سيكون مقدمة لحملة صليبية جديدة ضد الاتراك عقب انهيار القسطنطينية العام 1452 ولكن هذا لم يكن سوى دعاية فحسب ، فلقد كان الفتح هو هدفه الحقيقى مغلفا مستترا تحت قناع ادعائه المتوارث عن اسرته باحقيته فى امارة نابولى .
غير ان فكرة ( الحرب العادلة ) ظلت صامدة وكذلك الافكار الفروسية عن القتال فلقد ورث خلفاء تشارلس الثامن ،اى لويس الثانى عشر وفرانسيس الاول ( 1515 – 1547 ) ادعاءاته ومطالبه .. وقد وقع فرانسيس الاول بالفعل فى اسر الامبراطور تشارلز الخامس ( 1519 – 1556 ) فى معركة بافيا العام 1525 ودفع فديته حتى اطلق عدوه الاكبر سراحه بعد ذلك بعام وحتى 1535 كان تشارلس الخامس ما يزال يتحدى غريمه للقتال الفردى . غير ان مثل هذه الاعمال كانت فى طريقها الى الزوال تماما مثلما كانت ( المعركة الفاصلة ) التى اختفت – عمليا – من اوروبا طوال ما يقرب من القرن ، ومع ذلك فقد بقيت الصور كما هى مثلما
نرى فى اللوحة المشهورة التى رسمها تيسيان لتشارلس الخامس فى العام 1547 على رغم ان الامبراطور كان قد اصبح – حينذاك – سمينا الى الدرجة التى تمنعه من الجلوس على صهوة جواده . فقد رسمه تيسيان جالسا على جواده فى صورة فارس فاتح مدرع من العصور الوسطى .
وقبل ذلك الحين وعلى الرغم من تاثير الفلاسفة الانسيين HUMANISTS الذين مجدوا كرامة الانسان ومنجزاته الاقل عنفا فقد ظلت الحرب وسيلة مقبولة لحل المنازعات ومصدر لا ينفد للانبهار حتى بالنسبة للانسيين انفسهم فلقد كانت الحرب بالنسبة للبعض وسيلة نافعة لصرف اتجاه القلق الداخلى نحو النشاط ( الصحى اكثر ) المتمثل فى المغامرة فى الاراضى الاجنبية ولتدعيم النسيج المعنوى للسكان وشعر اخرون بالاشتياق الى وسائل بديلة لتسوية المنازعات الدولية ، واصبح المثال الاعلى فى صورة الميثاق الاوروبى الشامل والسلام العالمى اداة استخدمها الملوك للوصول الى اغراضهم الخاصة مع ما صاحب ذلك من نمو الدبلوماسية وادى هذا بدوره الى ظهور الراى القائل بان الحرب الدفاعية هى وحدها المشروعة على رغم ان ما يجعل عملا ما ، عملا ( دفاعيا ) اصبح موضعا للجدل ومصدرا للكثير من الدعاية التبريرية على حد ما كتبه احد الكتاب الانجليز فى العام 1539 :
( اننى اعرف تمام المعرفة ان واجب كل الاخيار ودورهم هو الرغبة فى السلام والوفاق والوئام المخلص بين الامة والامة ومع ذلك فاذا هاجمنا عدو ما فسوف يكون من الجنون المطبق بل سنكون اكثر من المجانين ان لم نجتهد لكى نتجنب ان نذبح اجل على رغم ان هذا قد يكون بذبح الكثيرين من الاخرين ، ان الرب لم يمنح الملوك السيف فقط لكى يعاقبوا رعاياهم حين ينحرفون وانما لكى يدافعوا عنهم ضد قوة اعدائهم العنيفة ، ولحمايتهم من السلب والنهب والعسف والقوى الاجنبية )
غير ان هذه الحجج كما هى العادة ، تعد سلاحا ذو حدين .
ومن المؤكد ان الطباعة قد جعلت تمجيد الحرب يمتد ويتطاول دون حدود ، وذلك كما اشار الاستاذ هيل HALE :
بدلا من المخطوطات التى تنساب قطرة قطرة اصبحت الكتابات التى تتناول الحرب فيضانا من المطبوعات ... واصبحت الحرب موضوع للدراسة والمناقشة عبر الغرب كله ، كلمة بكلمة ، وكتلة من حروف الطباعة وراء كتلة وصورة او لوحة وراء مثيلتها ومن دمى مباريات الرماية الى التشكيلات الكاملة من تماثيل الجنود المصنوعة من الرصاص
غير ان ما انطلق من اعمال وحشية خلال الحرب الايطالية ، خاصة ما انصب منها على السكان المدنيين هيأ اسباب عدة للقلق فعلى سبيل المثال وصف توماس مور نهب روما الوحشى فى العام 1527 بالعبارات التصويرية التالية :