جين فوندا في مواجهة الميديا الصهيونية
عادل الخياط
إسرائيل دولة عسكرية ودولة ديمقراطية ودولة عنصرية , ودينية , وجاسوسية - تتجسس على أمريكا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي والإمبراطورية الرومانية , والإتحاد الأوروبي , والأفريقي , والآسيوي لكرة القدم , لأن مجموعتها في أوروبا وأوروبا قوية في كرة القدم ولذلك فإن إسرائيل دائما تخسر في تصفيات التأهل لكأس العالم , وتتجسس حتى على كهوف الهنود الحمر والأسكيمو وسيبيريا - وإسرائيل كذلك خشمها يابس مثل خشم إيران , ويا ريت في يوم من الأيام أحدهما يطيح على الآخر , واحد يكسر خشم الثاني ونخلص من الخشمين . وبما ان تحميل الفيديو هنا قد إنفلق على الخشم , أو قرفصَ فوق الخشم ففلقه فتجلى الإنفلاق على إستشاطة آخر زفيرين كاربونيين صهيونيين إزاء واقعتين من نوع الميديا التي تمس أذرع الدم الممتدة من الكنيست ووزارة الدفاع , فإننا سوف نكون إزاء هذا الزفير الكاربوني المُستشاط .
الزفير الأول : تقرير الأمم المتحدة عن الجرائم التي إرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة .
الزفير الثاني : الحملة الخنزيرية لوسائل الإعلام الإسرائيلية ضد النجمة " جين فوندا " بعد توقيعها مع مئات من السينمائيين والمثقفين العالميين على بيان مُوجه لمهرجان " تورونتو " السينمائي " بالتخلي عن إختيار مدينة تل أبيب لمهرجان العام التالي , لأنه تزييف لتاريخ المدينة وشعبها المشرد . كذلك على خلفية جريمة غزة .
الزفير الأول لا شأن لنا به , فثمة الإله الذائد الأزلي الأميركي , الإله الذائد الذي عادة ما يبدأ خجولا بعبارات تأسف لما صدر ويصدر من المنظمة الدولية بحق إسرائيل , وبعد التأسف يشجب بكل قوة وإقتدار القرارات , والمبرر على الدوام محفورا في ذلك العقل الذائد : ان إسرائيل تمتلك مؤسسات ديمقراطية وهذه المؤسسات هي التي ستضع حافرها على المتجاوزين في المجزرة الفلانية والعلانية والبهبهانية و .. وما أكثرهن . نعم , صحيح إسرائيل فيها هذه المؤسسات , وصحيح تفضح المتجاوزين على القانون , من أصغر موظف إلى رئيس الوزراء , غير أن كل ذلك يحدث داخل نطاقها وليس خارجه . فلم يحدث أن القضاء الإسرائيلي قد أثار إعتداءات المستوطنين أو جرف الأراضي ومصادرتها ومجازر الجيش وغير ذلك الكثير من سياسة الفصل العنصري المقرورة والمُوثقة في الهيئات الدولية ومظمات حقوق الإنسان . أهازيج قديمة , والأقدم ان الذائد الأميركي يدرك أنه في كل ذود يحقن جرعة من الزرنيخ في شرايين التطرف الذي يدفع فاتورته المواطن الأميركي الذي ربما يجهل من هو إيهود باراك , أو " شمعون كوهيل " .. هل هناك سياسي إسرائيلي يسمى كوهيل ؟
الزفير الآخر يخص النجمة السينمائية " جين فوندا " . يقول تعليق الغارديان البريطانية : ان السبب الذي دعا " جين فوندا " إلى سحب إعتراضها على الإحتفاء بـ " تل أبيب " في مهرجان " تورونتو " هو الحملة الإعلامية الإسرائيلية الشرسة ضدها !
الإعلام الإسرائيلي هو الوجه الآخر القبيح للسياسي الإسرائيلي . كلاهما ينطلق من منطلق ديني محض : أنا يهودي , وإسرائيل هي دولة يهودية , وعليه يتحتم علي أن اتصدى لكل من يحاول تشويه هذه الدولة , مهما كانت طبيعة الممارسات التي تمارسها : لا أخلاقية , إجرامية , تحريفية .. والبديهي ان هذا الإعلام ليس بالضرورة يصدر من داخل إسرائيل , إنما جميع المؤسسات الإعلامية والمالية التي تدور في الفلك الصهيوني حول العالم , والجمعيات اليهودية والسياسيين وأساتذة الجامعات ونجوم السينما .. لكن يبقى معظم اليهود اليساريين إستثناءا في هذا المحور , وتجرد اليهودي اليساري من البُعد الديني ذات إمتداد تاريخي وليس بجديد , وهو دون ريب متأت من الرؤية الإنسانية لمفاهيم اليسار والمقترنة بالوعي الشمولي . لنأخذ نموذجين متقاطعين إستشهادا للحالة :
على قناة CBC الكندية وفي برنامج يُدعى counterSpin , وهو برنامج حواري , الرأي والرأي المناقض أو المعاكس , وضمن حلقة عن أحداث 2002 الدامية في الضفة الغربية كان طرفي الحوار يهوديين . الأول رئيس التجمع اليهودي في تورونتو كندا , والآخر بروفسور يهودي يساري في إحدى الجامعات الأميركية . مُلخص ومجمل الحوار ان الوعي والمنطق والروح الإنسانية كانت متجسدة في حديث البروفسور . كان يعرض الفقرة حديث البحث ثم يطرح السؤال , ثم الفقرة الأخرى , ثم الثالثة وهكذا .. والواقع انه كان يعرض واقعا مُعاش وليس محض إختراع : شعب أعزل يواجه دولة مدججة بكل أسلحة الفتك ! وفي الختام قال : أنا عشت مع الفلسطينيين لشهور طويلة فلم أر منهم الذي يعرضه السيد موفاز من شناعات . أما الطرف الآخر - السيد موفاز - فقد كان كليا نقيض ذلك البروفسور , فلقد كان تجسيدا محضا للمتطرف الديني العنصري والغير منطقي الذي يقلب الحقائق الواضحة التي تلهج بها الجمادات والمتحركات , إلى حد ان الحاظرين ومقدمة البرنامج سخروا من حديثه .
هذان النموذجان من الممكن أن تجدهما في جميع الحقول والمجالات . والسينما إحدى تلك المجالات . تجد العملاق " داستين هوفمان " , وفي المقابل ترى الضحل" هاريسون فورد " . تجد " هوفمان " المُجرد من يهوديته على خلفية مستواه الفكري والثقافي المُؤسس على رؤية للمنطق والتاريخ والمخاض السياسي ورسالة الفنان الإنسانية و.. .. عندما يقول : إن البشرية كلها بدأت بالإنقراض عندما ظهرت إسرائيل ." وعلى المرفأ الآخر ترى " هاريسون " القادم من كهوف الكهنوتية اليهودية السحيقة , حين يردد الترنيمة العجائزية السقيمة والغبية : نحن شعب الله المختار " .. بين العملاق والضحل , هذا توصيف وليس مقارنة , فمن الإنتحار أن تقارن بين هوفمان وفورد , ولو أكرهت على ذلك فسوف تُقاد إلى الموهبة , وهنا لو جردت هوفمان من الوهج الثقافي بإعتباره عاملا مهما في صقل الموهبة الفنية وفي إختيار الأدوار , ودفعت بتلك الموهبة عارية سِوى من فطرتها , فستكون قبالة موهبة من الطراز العبقري فعلا : تلقائية في التمثيل تفوق الوصف , وتجسيد حرفي وسايكولوجي للشخصية المنتقاة ! .. في الإتجاه الثاني أنت أمام موهبة متواضعة : تشنج وتصنع واضحين في الأداء وفي كل الأدوار تقريبا , وأدوار متماثلة , متشابهة , تحمل طابع فيلم Inaiana Jones , طابع المغامرة العنفية والبطل المُنقذ الخرافي الذي لا يُقهر.. ومن هنا لو تناولت هوفمان بمستواه الثقافي وموهبته الفذة وروحه الإنسانية العظيمة , ومن ثم أخذت فورد النقيض لكل ذلك , فدون مراء انك قبالة بون لا قرار له . عليه القول ان مقارنة من هذا النوع هي بمثابة إزدراء للفن السينمائي .
في مهرجان " تورونتو " السينمائي يصل الإزدراء أقصى مدياته . فقد كان أحد الموقعين على الخطاب المفتوح للمهرجان في خطوة الدفاع عن تل أبيب وإختيارها لمهرجان العام التالي هو الممثل الأميركي " جيري سانفيلد " . في السياق السابق جرى الحديث عن ضآلة هاريسون فورد نسبة إلى هوفمان , لكنه في كل الأحوال يظل سينمائيا متخصصا , أما التحدث عن سانفيلد فهو عن شخص لا يمتلك أية صلة بعالم السينما وحتى مُجمل أعماله غير مُؤهلة لأضأل خط نقدي , أو انه أصلا لا يمتلك من الأعمال غير مسلسل كوميدي ودبلجات صوتية لبعض أفلام الرسوم المتحركة , وانه أصاب شهرته من خلال هذا المسلسل المُسمى بإسمه " سانفيلد " . إذن ما الذي دعاه إلى الهبوط - من خلال التوقيع على الخطاب - على مهرجان سينمائي وهو خالي الوفاض , ورغم فراغه يهرول لاهثا نحو تل أبيب وحائط المبكى ! كان المفروض من أحد ما أن يهمس في أذنه : لست سينمائيا , ولا تحمل أية ميزة للممثل المحترف ولا أي مستوى ثقافي , وبالرغم من ذلك تهرول وتلهث نحو المبكى والمغنى " ثم يثير إنتباهه بالقول : إننا إزاء مهرجان فني وليس في حضرة طقوس لاهوتية ." . لأن هرولته في الواقع كانت مبنية على عقيديته الدينية . غير ان الإعتراض سينبعث على نحو مغاير : ان إسرائيل هي صاحبة القرار الحاسم , الميديا الإسرائيلية هي التي تُقزم وتُعملق , هي التي تطعن وتتغزل , هي التي تشوه وتُجمل وُفق هوى محرابها المقدس !! لكن هل حقا كذلك ؟ فبعد عشرات السنين من هذا الإستفحال الدعائي المرتكز على مؤسسات المال الصهيونية الخرافية , هل تمكنت إسرائيل من تجميل صورتها البشعة أمام العالم وعالم الغرب على وجه الخصوص ؟ أمام ناظري السياسي الغربي الرأسمالي نعم , صورتها لامعة من دون ميديا , فهو يتماهى معها في الإنسلاخ من النزع الإنساني . أما قبالة شعوب أوروبا الغربية فهذا الإحتمال مخروم
اليقين .
ووُفق هكذا مقياس ماذا بوسع إسرائيل أن تزعم بحق " جين فوندا " , ماذا , هل تردد الأسطوانة المشروخة عن معاداة السامية مثلا [ بالمناسبة , لا أدري إن كانت إسرائيل تطلق هذه الأسطوانة على العرب أيضا , فالشعب العربي أيضا من الشعوب السامية , فهل يعادي إنتماءه , أم أن السامية مسبوكة في قالب عبراني فقط , أم ماذا ؟ ] أم تُحشد ضئيلي هوليوود ضدها وضد الذين يحتملون نفس توجهها من مخضرمي السينما الأميركية - , آل باتشينو , روبرت دينيرو , أنتوني هوبكنز , داستين هوفمان , وغيرهم , في النظر إلى إسرائيل بإعتبارها دولة شريرة وصاحبة تاريخ مترع بالدم ؟ أم تزعم ان والدها " هنري فوندا " كان عميلا للغستابو وانه كان السبب في إعتقال آلاف اليهود في بولندا والإتحاد السوفيتي وجزيرة غرينادا ؟
لا ينفع , كل شيء لا ينفع , تحريف الحقائق والتاريخ والإنسان والفن.. إسرائيل أنفقت عمرها كله في سلسلة طويلة من التحريف والزيف والخداع و .. فماذا جنت , كونت كيانا نعم , لكنه كيان منبوذ ومحكوم بصراع أزلي .. واليوم , كل تلك الهالة التي تتوسد عليها من آلة عسكرية ودعائية وذود الدول الكبرى والعقيدة الدينية الهرمة المُستهلَكة التي تزعم : انهم بُعثوا من عُنق الله الفيروزي .. كلها بلا جدوى , عبث , قبالة دوران الأزمنة والعوالم .. الذي ينفع فقط هو الإنسلاخ من الجمود , من التغطرس , من العقيدة الدينية التي لا تطأها الحوافر والظلوف . فهل ستدرك إسرائيل هذه الحقيقة , أم ستظل مشدودة بسلاسل ذلك الإستنزاف المضني ؟ الواقع الراهن يقول : ان الإفتراض الثاني هو الأكثر ترجيحا . حسنٌ إذن , دعها ودعهم على ذلك المسار الملغوم إلى يوم الخسف العظيم !