محمد الحنفي
تقديم:
في البداية، لابد أن أشير إلى أنني، وأنا أنخرط في تعبئة الشغيلة لخوض إضراب يوم 21/05/2008، الذي خاضته الشغيلة المغربية بنسب تتراوح ما بين 80%، و 100%، كما جاء في بلاغ المكتب التنفيذي للك.د.ش، الداعية للإضراب العام المذكور، لفت انتباهي ماتنشره بعض الصحف التي تسمي نفسها "مستقلة"، والتي لا تحمل من الاستقلالية إلا بؤس الاسم، نظرا لتحيزها السافر للباطرونا، وللطبقة الحاكمة، من خلال التشويش على الإضراب، ومحاربة الك.د.ش على المستوى الإعلامي، والتنقيص من نجاح الإضراب. فتساءلت:
هل هذه الصحف مستقلة فعلا؟
وهل هي محايدة في تقديم الخبر؟
أم أنها لا علاقة لها بممارسة الاستقلالية؟
في مفهوم الاستقلالية:
إننا عندما نطرح الاستقلالية إلى النقاش الجدي، والمسئول، نجد أنها لا تعنى إلا قيام الأفراد، أو الهيئات، بإنتاج الفعل غير المملى، وغير الموجه من أي جهة كانت، وكيفما كانت هذه الجهة، وبناء على اقتناع معين يهدف غلى بناء رؤيا خاصة، متميزة عن باقي الآراء القائمة في الواقع اتجاه القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ودون تحيز إلى هذه الجهة، أو تلك، ودون رغبة في تحقيق غاية معينة، يلتمس من ورائها إرضاء هذه الجهة، أو تلك.
وهذه المفهوم الذي سقناه للاستقلالية، يطرح علينا نظاما من التربية الاجتماعية على بلورة الرؤى والتصورات الفردية، والجماعية، انطلاقا من سيادة نظام تربوي معين، انطلاقا من الأسرة، ومرورا بالشارع، وانتهاء بالمدرسة، وتتويجا بالممارسة الإعلامية.
كما يطرح علينا هذا المفهوم ضرورة احترام الممارسة الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، مما يتيح الفرصة أمام ممارسة الفعل المستقل: الفردي، أو الجماعي، كما يتم الاقتناع به، ودون أن يكون ذلك الفعل مؤثرا في جهة معينة، أو في خدمة جهة أخرى.
ويطرح هذا المفهوم أيضا ضرورة أن يصير الفعل المستقل في خدمة حركة التاريخ، حتى لا تصير الاستقلالية بدون معنى، ومن أجل أن يصير للاستقلالية مدلول واقعي، وتاريخي في نفس الوقت.
وفي نفس السياق، نجد أن هذا المفهوم ينبني على أساس العلاقة مع الجماهير المعنية بالفعل المستقل. وهو ما يقتضي قيام علاقة جدلية بين الفعل المستقل، وبين الجماهير على مستوى التطور والتطوير المتبادلين.
والاستقلالية بهذا المفهوم، وبهذه الأبعاد، تجعل الفعل المستقل أكثر تأثيرا في الواقع، وأكثر مساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، وأكثر صياغة للوجدان الإنساني، دون إغفال دوره في بث أشكال الوعي الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الأمر الذي يترتب عنه الوقوف بطريقة غير مباشرة في إذكاء الصراع الطبقي في مستوياته الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية.
فهل يوجد لدينا في المغرب ممارسة استقلالية من هذا النوع؟
إن ادعاء الاستقلالية شيء، وممارستها على أرض الواقع شيء آخر، وما هو قائم في الواقع، هو التناقض الصارخ بين الادعاء، والواقع، كما هو حاصل في الممارسة الإعلامية للعديد من الصحف التي تدعى الاستقلالية. هذه الصحف التي لا داعي لذكر أسمائها، والتي تحيزت بشكل سافر، ودون مراعاة لاستقلاليتها، إلى الطبقة الحاكمة، بشنها هجوما سافرا، أو مبطنا على قرار الإضراب العام، الذي دعت إليه ألك.د.ش، والذي نفذ بنجاح نسبي في الزمان، والمكان، وعلى مستوى التراب الوطني، من خلال الهجوم على الكاتب العام للك.د.ش، ومن خلال التنقيص من المشاركة الواسعة لمختلف القطاعات في إنجاح الإضراب يوم 21/5/2008.
في مفهوم الصحافة المستقلة:
فما المراد بالصحافة المستقلة؟
إن الصحافة المستقلة، كمفهوم، هي صحافة الحياة، صحافة عرض الخير، ونقيضه، دون تحيز، أو تأويل، أو محاولة تفسير من قبل إدارة الجريدة. هي صحافة مفتوحة على كل الآراء، ولا تتحيز لأي رأي مهما كان صائبا. هي صحافة الحقيقة المجردة من أي انتماء، وكيفما كان هذا الانتماء. يمكن أن يصير فيها موقع لليمين، والوسط، واليسار، وحتى لليمين المتطرف، واليسار التطرف، وللحكومة، والمعارضة في نفس الوقت.
وهذا المفهوم، وبهذا المستوى من التجريد، والتجرد من كل ما يمكن أن يوحي بتحيز معين، يمكن أن يجعل من الصحافة المستقلة وسيلة من الوسائل التي تقف وراء ازدهار إبلاغ المعلومة كما هي، حتى يتمكن المتلقي من الاستيعاب الحقيقي، الذي يعتبر وحده كفيلا بجعل نفس المتلقي يبدي رأيه القائم على أسس صحيحة.
وانطلاقا من هذا التصور للصحافة المستقلة فإن هذه الصحافة:
1) ليست منبرا لوجهة نظر الدولة تجاه القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولكنها، في نفس الوقت، معنية بالإخبار عن ما تقوم به الدولة في مختلف المجالات، دون تحديد موقف معين من ذلك.
2) ليست منبرا للحكومة، التي يتحكم فيها حزب معين، أو مجموعة من الأحزاب، حتى يتأتى الابتعاد عن احتواء الحكومة، أو حزبها، أو أحزابها لها، وحتى تتمكن من تجسيد الحياد اللازم تجاه العمل الحكومي، وتجاه أحزاب الحكومة.
3) ليست منبرا لحزب معين، أو لمجموعة من الأحزاب المعارضة للحكومة، حتى تبقى بعيدة تماما عن الاحياز إلى المعارضة كيفما كان شكلها.
وحياد الصحافة المستقلة، لا يمنع من صيرورتها مجالا لنشر ما تقوم بها الدولة، والحكومة بأحزابها المختلفة، وما تقوم به أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى ما تقوم بم منظمات ما يصطلح على تسميته ب "المجتمع المدني"، دون تحيز لأي منها.
وبذلك تصير استقلالية الصحافة المستقلة مجسدة على أرض الواقع، وعلى جميع المستويات، حتى يتأتى لها القيام بدورها كاملا في خدمة المعلومة المجردة إلا من الانحياز إلى خدمة الحقيقة المجردة، التي تساهم في رفع وعي جميع أفراد المجتمع، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل أن يصير ذلك الوعي العام في خدمة الوعي الإيديولوجي، والسياسي، والتنظيمي، والديمقراطي، الذي تقتضيه حركة الصراع الطبقي بأبعاده المختلفة، والقائم في المجتمع.