الجزائر: الاحتفال بمرور سنة على ملحمة أم درمان بتشييع جنازة محاربي الصحراء
2010-11-18
الجزائر ـ القدس العربي ـ من كمال زايت ـ سنة كاملة مرت على المباراة الفاصلة التي لعبت بين المنتخب الجزائري ونظيره المصري في السودان، والتي أهلت "الخضر" إلى المونديال بعد غياب دام أكثر من ربع قرن.
مباراة تبعتها أزمة سياسية وإعلامية بين الجزائر ومصر لا تزال تداعياتها متواصلة حتى اليوم، كما خلقت أجواء فرحة استمرت طوال أشهر، قبل أن تتحطم على صخرة الانهزامات والنتائج السلبية المتكررة، الذي انتقل من صانع للفرح إلى مصدر للخيبة والإحباط.
نجح المنتخب الجزائري في تغيير وجه الجزائر، فهذا الفريق الذي لم يتوقع له أحد أن يتأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا الأخيرة، وجد نفسه فجأة على أبواب التأهل إلى المونديال، الذي لم تتأهل له الجزائر منذ عام 1986، ولكن كان عليه تخطي عقبة المنتخب المصري، خاصة مباراة العودة التي لعبت يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، وكان على الفراعنة الفوز بها بفارق هدفين على الأقل لضمان لعب مباراة فاصلة، أو الفوز بثلاثية للتأهل مباشرة.
وكان الاعتداء الذي تعرض له أتوبيس البعثة الجزائرية منعرجا أساسيا في كل ما جرى بعد ذلك، خاصة وأن بعض لاعبي المنتخب الجزائري أصيبوا بجروح، وسط دهشة العالم الذي شاهد تلك الصور التي التقطتها قناة "كنال بلوس" الفرنسية، والتقط بعضها لاعبو "الخضر" بهواتفهم المحمولة.
السلطات المصرية وإعلامها كذبوا وقوع اعتداء، وقالوا أن اللاعبين هم الذين حطموا زجاج الأتوبيس وهم الذين شجوا رؤوس بعضهم، قبل أن يعترف سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة المصري بعد ذلك بأشهر، وبعد صدور عقوبات الفيفا، أن الاعتداء وقع فعلا، وهو ما جعل مذيعا مثل عمرو أديب الذي أصبح "نجما" بهجومه على الجزائر، يقف مشدوها على الهواء مباشرة، بعد أن اكتشف أن كل ما قاله في برنامجه طوال أشهر كان مبنيا على كذبة.
المنتخب المصري كان قد فاز بفارق هدفين في مباراة شد الأعصاب، وكان على الفريقان لعب مباراة فاصلة في السودان، وبالتحديد في "أم درمان" بعد أربعة أيام، أي في يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، واعتقد الفراعنة أن المباراة "في الجيب"، خاصة وأن اللعب في السودان لا يختلف كثيرا عن اللعب في الإسكندرية أو الإسماعيلية.
من جهتها الحكومة الجزائرية قررت دعم المنتخب بتنظيم أكبر جسر جوي في تاريخ كرة القدم، أكثر من 15 ألف مناصر تنقلوا إلى السودان، فالسلطات وضعت تحت تصرفهم كل شيء، الطائرات والخيّم والأكل والشرب، بل إن الكثير منهم لم يكن لهم جواز سفر، وسهلت السلطات السودانية الأمر بإلغاء التأشيرة.
وبعد نجاح المنتخب الجزائري في الفوز بهدف مقابل صفر اندلعت موجة فرح غير مسبوقة، احتفالات عارمة شملت الجزائر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، البعض شبهها بالاحتفالات التي عرفتها الجزائر بعد الاستقلال، وفي الجهة الأخرى اندلعت حملة إعلامية شرسة تحولت إلى حرب سب وشتم طالت رموز الجزائر وتاريخها وشهدائها.
احتفالات متصلة
واصلت الجزائر في المقابل احتفالها بالمنتخب، الذي كان على موعد مع نهائيات كأس إفريقيا، وكانت المباراة الأولى أمام مالاوي مخيبة، فقد خسر أشبال المدرب رابح سعدان بثلاثية نظيفة، ولكنهم تمكنوا من التدارك أمام مالي بفوزهم هدف دون رد، وفرضوا التعادل السلبي على أنغولا، وهو ما مكنهم من التأهل إلى الدور الثاني، لمقابلة كوت ديفوار.
وكانت مباراة الدور ربع النهائي أيضا من المباريات "الخالدة" فقد أدى لاعبو المنتخب مباراة قوية، وتمكنوا من الفوز ب3 ـ2 أمام رفاق دروغبا، وكان بإمكانهم إضافة أهداف أخرى لولا التساهل الذي وقعوا فيه، وكان عليهم في الدور نصف النهائي مواجهة الفراعنة من جديد، ولكن الخضر سقطوا برباعية، حملت مسؤوليتها كاملة لحكم المباراة كوفي كوجيا، في حين أنه لا يتحمل إلا جزء بسيطا منها، وخسر محاربي الصحراء مباراة المركز الثالث، لكن المشاركة اعتبرت إيجابية عموما.
بعد دورة أنغولا كان على المنتخب الاستعداد للمونديال، ولكن المباريات التحضيرية الودية كانت كارثية، إذ انهزم رفاق عنتر يحيى أمام صربيا بثلاثية، وخسروا بنفس النتيجة أمام إيرلندا، وفازوا بهدف يتيم وأداء هزيل على الإمارات، وبدا أن المونديال لن يحمل أخبارا سارة، خاصة بعد أن تأكد غياب اللاعب مراد مغني الذي أصبح "مايسترو" الفريق.
وخسر الخضر أول مباراة لهم أمام سلوفينيا، بهدف في الدقائق الأخيرة، لكنهم أدوا مباراة قوية أمام انجلترا، حتى وإن كانت قد انتهت بالتعادل السلبي، وعلقت الآمال كلها على مباراة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المنتخب الجزائري فشل في التسجيل، وتلقى هدفا قاتلا في آخر دقيقة، ليخرج من الباب الضيق، ودون تسجيل أدنى هدف في المباريات الثلاث، لكن المدرب رابح سعدان كان يردد بأن المشاركة كانت إيجابية، وأن المنتخب لم يخسر بنتائج ثقيلة وأن هذا هو الأهم.
مباشرة بعد نهاية آخر مباراة في المونديال بالنسبة لمحاربي الصحراء بدأ الحديث عن تغيير المدرب، وظل هذا الجدل قائما عدة أسابيع، دون أن يؤكد أو ينفي اتحاد الكرة الأخبار التي كانت الصحف الجزائرية تنشرها يوميا، والتي بدأت بالحديث عن أسماء مدربين أجانب اتصل بهم رئيس الاتحاد محمد راوراوة، ثم أصبحت الصحف تتكلم عن تجديد الثقة في المدرب رابح سعدان، وهو ما تأكد فعلا بعد أيام، عندما تم الإعلان عن تفاصيل العقد الجديد، الذي تضمن شيئا واحدا هو مضاعفة راتب المدرب، الذي أصبح بموجبه يتقاضى حوالي 20 ألف يورو شهريا.
المنتخب كان على موعد مع بداية التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس إفريقيا، الجميع كان ينظر إلى تلك التصفيات على أنها جولة سياحية، خاصة وأن المنافسين كانوا على الورق في متناول منتخب الجزائر، وهم تنزانيا وإفريقيا الوسطى، أما المنتخب المغربي فلم يكن يبدو مقلقا، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
المباراة الأولى لعبت في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي أمام تنزانيا، وتعادل فيها المنتخب الجزائري على أرضه، وكان هذا التعادل بطعم الخسارة، الأمر الذي دفع المدرب رابح سعدان إلى الاستقالة، بعد الهتافات المطالبة برحيله التي رددها أنصار ملعب البليدة ( 45 كيلومتر غربي العاصمة).
استقالة فارتباك !
استقالة سعدان الذي كان يسمى بـ"الشيخ" أدخلت المنتخب في دوامة البحث عن مدرب جديد، علما وأن الوقت لم يكن في صالحه، فمباراة إفريقيا الوسطى كانت على الأبواب، لذا وقع الاختيار بسرعة على عبد الحق بن شيخة الذي كان يسمى ب"الجنرال"، لكن بن شيخة أخفق في أول مباراة، وخسر بهدفين أمام إفريقيا الوسطى، لتتقلص حظوظ المنتخب أكثر في التأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا.
ورغم أن بعض المتفائلين بحثوا عن المبررات للمدرب الجديد، إلا أن القرارات التي اتخذها هذا الأخير بعد ذلك زادت في حجم التشاؤم بشأن مستقبل الفريق، فقد أبعد مجموعة من اللاعبين، في مقدمتهم جمال عبدون لاعب نادي كافالا اليوناني، الذي قال عنه قبل مباراة إفريقيا الوسطى أنه "لاعب استثنائي"، وكذا عبد القادر غزال لاعب نادي باري الإيطالي، ونذير بلحاج لاعب نادي السد القطري.
وجاءت المباراة الودية أمام لكسمبورغ التي لعبت أمس الأول، وانتظرها البعض بفارغ الصبر على أمل أن يظهر فيها المنتخب الجزائري بوجه مشرق بمناسبة مرور الذكرى الأولى لما أضحى يسمى "ملحمة أم درمان"، وكان هذا يبدو في متناول أشبال بن شيخة، خاصة وأن منتخب لكسمبورغ هو أضعف الفرق الأوروبية، ولكن محاربي الصحراء كانوا أضعف، وعجزوا مرة أخرى عن إيجاد حل لعقم خط الهجوم، رغم استقدام لاعبين مثل كريم بن يمينة مهاجم نادي اتحاد برلين من دوري الدرجة الثانية الألماني، وعبد المومن جابو لاعب نادي وفاق سطيف الجزائري.
وانتهت المواجهة الودية التي لعبها الخضر بالتعادل السلبي، لتزيد في حالة الإحباط التي انتابت الشارع الجزائري من هذا المنتخب، الذي أحيا مشاعر الفرح ولذة الانتصارات، في انتظار المباراة الودية القادمة أمام تونس، قبل المواجهة الحاسمة أمام المنتخب المغربي، والتي ستحدد إن كان الخضر يستحقون التأهل لنهائيات أمم إفريقيا القادمة أم لا؟ !