واقـع وتحديــات الاعلام

"واقـع وتحديــات الاعلام "


لا شك أن الإعلام في الوقت الراهن أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتكنولوجيا، وقد باتت التكنولوجيا الإعلامية تشكل ضلعاً أساسياً من أضلاع العملية الإعلامية ككل في العصر الحديث ، ولا يمكن أن نتحدث عن الإعلام وتأثيره دون الحديث عن أثر تكنولوجيا الإعلام ومدي استجابة وتعاطي الشعوب مع هذه التكنولوجيا الإعلامية.
الإعلام في حد ذاته مرتبط في مفهومه العام بتوصيل مادة معينة إلي المتلقي ، سواء كان هذا التوصيل عن طريق التوصيل المرئي أو المقروء أو المسموع ، والآن نجد أن هناك آليات جديدة دخلت نطاق العمل الإعلامي من حيث توصيل المادة الإعلامية إلي اكبر قطاع ممكن من المتلقين، فمثلاً لو نظرنا للمواد الإخبارية والتي كانت بالأمس القريب مرتبطة بالصحافة المكتوبة والقنوات التليفزيونية سواء كانت حكومية أو خاصة لوجدنا أنها قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالتكنولوجيا ووسائلها والياتها ، فكل قناة وصحيفة تنوه وتعلن عن موقعها الاليكتروني وتحث المتابعين على الاطلاع على مواقعها الاليكترونية من أجل متابعة الأخبار أولاً بأول، كذلك المدونات ورسائل SMS وغيرها من التقنيات التي فرضت نفسها وأصبحت واقعاً إعلامياً متجسداً له رواده العاملون به ومتابعوه من مختلف الفئات.
وكل ذلك يفرض علينا في عالمنا العربي أن نبحث أولاً في تطويع المؤسسة الإعلامية العربية ككل نحو أفق التقدم التكنولوجي ومسايرته بسرعة تتوافق مع سرعة عملية التطور والتحديث ، لأننا الآن لا يمكن أن نتكلم عن مستقبل الإعلام دون الربط الوثيق بين هذا المستقبل وبين الذي نريده لإعلامنا وبين آليات تطوير العمل الإعلامي والانخراط في موجة التحديث التكنولوجية الحالية.

وإننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك اهتمام دولي متصاعد ومتسارع نحو ما يسمي بمجتمع المعلومات Information Society وذلك يدل دلالة قاطعة علي أنه قد أصبح هناك يقين عالمي بأن هذه التكنولوجيا قد دخلت في جميع مسام الأعمال اليومية للدول والمؤسسات والأفراد إلي الحد الذي كونت فيه مجتمعاً قائماً بذاته، وأصبح لا ينظر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات اليوم علي أنها مجرد أداة لتسهيل وتيسير الأعمال المؤسسية والفردية بل أصبح ينظر إليها علي أنها ضرورة قصوى من أجل اللحاق بكل المتغيرات الآنية في العالم.
ولا شك أن هناك الكثير من التقارير الصادرة من الأمم المتحدة تشير إلي أهمية استثمار تكنولوجيا المعلومات في دفع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وفي اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الثانية والأربعين في السابع عشر من يونيو 2009 في البند السادس الخاص بتنفيذ عشرية التنمية التشاركية للإعلام والاتصالات في المنطقة العربية 2009-2018 فقد قرر اعتماد تقرير وتوصيات فريق الخبراء المعني بوضع خطة تشجيع إنتاج أجهزة الاندماج بين الإعلام والاتصالات في العالم العربي.
أما لو نظرنا في قدرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي تعزيز قدرات الإعلام لوجدنا أنها توفر العديد من الوسائل لتعظيم إنتاجية المؤسسة الإعلامية كجهاز يمثل الرأي العام، كما توفر الأدوات المساعدة علي قياس أدائه، وكذلك تسجيل اللقاءات بين الكتاب والصحافيين، وتوفير قدرٍ عالٍ من المرونة في الاتصالات الداخلية، وإمكانية متابعة وملاحقة الأماكن التي تمثل عنق زجاجة بالنسبة لأعمال مؤسسات الإعلام وبالتالي حل مشكلاتها والقضاء عليها، وإضافة إلي ذلك معالجة نواحي القصور التي يمكن أن تظهر في عمل المؤسسات الإعلامية وتوفير وقت العاملين لأداء أعمال أكثر إبداعيةً بدلاً من قيامهم بأعمال تكرارية يمكن للحاسب القيام بها بسهولة، إضافة إلي توفير الفرصة أمام مقترحات القراء وشكاواهم والبحث عن حلول.

تعريف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات:
مصطلح تكنولوجيا هو مصطلح مكون من شقين الأول هو تكنو ويعني المهارة الفنية، ولوجي ويعني العلم؛ ومعني ذلك أن مصطلح تكنولوجيا يعني علم المهارة الفنية.
أما الاتصال اصطلاحاً فيعني الوسيلة أو الأداة أو الطريقة التي يتم عبرها نقل المعرفة والأفكار من شخص إلي آخر أو من جهة إلي أخري بقصد التفاعل والتأثير المعرفي أو الوجداني في هذا الشخص أو هذه الجهة.
إذن فعملية الاتصال هي كما نجد عملية تبادلية بين جهتين تعتمد علي النقل والتأثير في المنقول إليه وهذا التأثير هو الغرض المطلوب من هذه العملية ومن هنا يبرز ارتباط مفهوم الإعلام بعملية الاتصال، حيث يعتبر الإعلام أحد جوانب عملية الاتصال وأهمها في عصرنا الحالي.
ويمكن القول بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي مجموعة الأدوات والأجهزة التي توفر عملية تخزين المعلومات ومعالجتها ومن ثمَّ توصيلها بعد ذلك عبر أجهزة الاتصالات المختلفة إلي أي مكان في العالم أو استقبالها من أي مكان في العالم.
وبناء علي ذلك فعملية الاتصال محددة بأربع اتجاهات هي: المُرسِل، والمُستقْبِل، والرسالة، وقناة الاتصال.
ومن ثم فإن الإعلام معني بدرجة كبيرة علي تحقيق هذه العملية تحقيقاً سليماً ومرتبطاً في الوقت ذاته بالجوانب الأربعة لعملية الاتصال ارتباطاً وثيقاً.
(من دراسة للأستاذ الدكتور زين عبد الهادي أستاذ علم المعلومات بكلية الآداب- جامعة حلوان).

الإعلام في عصر التكنولوجيا:
إذا كان العالم قد مرّ عبر تاريخه بثورتين كبيرتين الأولي هي الثورة الزراعية والثانية هي الثورة الصناعية؛ فإن الثورة الثالثة التي يمر بها العالم الآن هي ثورة المعلومات والاتصال، وهذه الثورة أصبحت من مميزات وسمات العالم اليوم لاسيما في الصحافة والإعلام، فثورة المعلومات والاتصال قد ألغت حدود الزمان والمكان فالحدث الذي يحدث في أي بقعة من بقاع العالم وفي أي وقت من ليل أو نهار تتناوله وسائل الإعلام بسهولة وتنقله بشكل مباشر وقت حدوثه أو بعد حدوثه بقليل، ولهذا فإن تكنولوجيا الاتصال أصبحت الآن عنصراً أساسياً من عناصر المؤسسة الإعلامية إن لم تكن أبرز ملامح المؤسسة الإعلامية في هذا العصر.
ومن الدلائل القوية علي قوة تأثير هذه التكنولوجيا الإعلامية الجديدة علي قدرة الإعلام في التأثير علي المجتمعات ما حدث خلال حرب العراق عام 2003 فقد لعبت وسائل الإعلام في هذه الحرب دوراً لا يستهان به واستطاعت الآلة الإعلامية الغربية أن توجه الرأي العام العالمي لخدمة مصالحها وكذلك استطاعت أن تحيد الآلة الإعلامية العربية وتبعدها عن مسرح الأحداث، وكانت هذه الحرب بالتحديد مثال حي علي القفزة الهائلة الحادثة في تكنولوجيا الاتصال وتأثير هذه التكنولوجيا علي الإعلام ووسائله، وذلك يفرض علي المؤسسة الإعلامية العربية أن تنظر بعين الاعتبار لقدرة هذه التكنولوجيا وما تستطيع أن تقدمه لعملية تطوير وتحديث المؤسسة الإعلامية العربية، فقد أصبحت عملية تطوير الإعلام وتحديثه لا تنفك بحال من الأحوال عن التكنولوجيا ومواكبة تحديث وسائل الاتصال المستمر.

نظرة مستقبلية.. ومصير الإعلام التقليدي:
لو أرجعنا النظر قليلاً ونظرنا ملياً في مسيرة الإعلام لوجدنا أن الإعلام عموماً قد مرّ بمراحل مختلفة من النمو سواء علي مستوي الأداء أو علي مستوي المهنية والاحتراف وأيضا علي مستوي الحرية، حيث كان الإعلام فيما مضي مملوكاً للدول وتسيطر عليه الحكومات من أجل بث وجهة النظر الحكومية فقط وعدم إفساح المجال أمام وجهات النظر الأخرى، ولكن هذا الحكر الإعلامي البائد قد تحطم علي صخرة ثورة المعلومات، حتى بالنسبة للعالم العربي فقد تحرر إعلامه نسبياً من سيطرة الدولة، فكان المواطن العربي فيما مضي لا يجد سوي قنوات التلفزيون الحكومي لمتابعة الأخبار، ولكن ومع دخول العالم العربي في زمرة التحديث وتكنولوجيا الاتصال بدأ الحال يتغير بنسبة كبيرة حتى وصلنا- إلي حدٍ ما- إلي إعلام فضائي بعيد نسبياً عن سيطرة الدولة مما أعطي المواطن العربي فرصة أكبر للاشتراك في مسرح السياسة العالمية وغيرها من القضايا داخل وخارج الوطن العربي.
وكذلك الأمر بالنسبة للصحافة، فقد كانت بدايات الصحافة العربية بالنسبة لوضعها الآن بداية متواضعة نسبياً ثم تطور الأمر تطوراً كبيراً حتى وصلنا إلي مرحلة الصحافة الالكترونية، والتي تتميز بميزات مختلفة تميزها عن الصحافة المقروءة؛ ومن هذه الميزات سرعة الانتشار وإتاحة الفرصة لقطاع أكبر من المتابعين لمتابعة الأخبار، حتي وصلت نسبة المتابعين للأخبار الكترونياً في العالم المتقدم إلي 60%، وهذا مؤشر له دلالة قاطعة علي أن العالم يتحول تدريجياً نحو الصحافة الرقمية بشكل ملحوظ.
كما أن الصحافة الالكترونية تتميز بالحرية إلي حد كبير وتجاوز أشكال الرقابة والمحاذير التقليدية وتقديم وجبة معرفية شاملة بتكلفة أقل، كذلك ومن أهم مميزاتها أنها توفر للقارئ تفاعلاً مباشراً مع الأحداث المختلفة من خلال إتاحة الفرصة للتعليق علي الأخبار والتفاعل مع التعليقات المختلفة.
ونستطيع القول بأن الصحافة الالكترونية بدأت فعلياً في عام 1990 حيث كانت صحيفة " هيلزنبورج داجبلاد " السويدية هي أول صحيفة الكترونية بشكل كامل، ويقول د.عبد الستار فيكي- وهو أستاذ وباحث متخصص في مجال الإعلام- " لقد تزايد الاتجاه في الصحف علي مستوي العالم إلي التحول نحو النشر الالكتروني بسرعة كبيرة، ففي عام 1991 لم يكن هناك سوي 10 صحف فقط علي الانترنت ثم تزايد العدد حتي بلغ 1600 صحيفة في عام 1996، وقد بلغ عدد الصحف الالكترونية في عام 2000 إلي 4000 صحيفة الكترونية علي مستوي العالم، كما أن حوالي 99% من الصحف الكبيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت صفحاتها علي الانترنت".
وبناء علي ما تقدم نستطيع أن نقول بأن المستقبل القادم هو للإعلام الالكتروني فالإعلام الالكتروني بخلاف الميزات السابقة إلا أنه يعطي المتابع له حرية الانتقاء والمقارنة مما يساعد علي الوصول إلي أقرب صورة للحقيقة، كذلك استطاع الإعلام الالكتروني أن يتخطى القيود التقليدية التي تقيد التلفزيون والصحافة المطبوعة، وأيضاً وفر هذا النوع من الإعلام مساحة من الحرية أكبر بالنسبة للكاتب الصحفي دون التقييد بمساحة محددة أو مواضيع معينة.
إن الإعلام الالكتروني قد استوعب كل أشكال ومقومات الإعلام التقليدي بل زاد عليها مقومات ومميزات أخري تفاعلية، إلا أن بعض الباحثين يري أن الإعلام الالكتروني سوف يظل أسيراً لاحتياجات واهتمامات المتابعين له.
وهناك بعض الأرقام الإحصائية التي تشير إشارة واضحة نحو اتجاه الإعلام في عصرنا الحالي إلي الإعلام الالكتروني؛ فحول حجم توزيع الصحف في أمريكا في عام 2008 حسب ما نشرته وكالة " نيوزبيبر أسوسييشن أوف أمريكا " فإن حجم التوزيع في 2008 هو تقريباً نفس حجم التوزيع في العام 1978 مع أن عدد السكان كان وقتها أقل بحوالي 100مليون نسمة، بينما ذكرت " الديلي تلغراف " أن حجم استخدام الناس لليوتيوب فقط في عام 2007 يعادل حجم كامل استخدام الناس لعموم الانترنت في عام 2000.
وحسب دراسة نشرتها وكالة " ماركت ووتش " فإن حوالي 70% من الصحافيين الأمريكيين يقولون بأنهم يقرؤون المدونات الالكترونية بشكل يومي.

إننا لم نكن مبالغين إن قلنا أننا الآن نعيش في نظام عالمي جديد تحكمه التكنولوجيا وسبل تدفق المعلومات ، فالثورة المعلوماتية الواقعة اليوم أصبحت تشكل ملمحاً أساسيا من ملامح النظام العالمي الجديد ولا سميا النظام الإعلامي وقد أثر هذا النظام على الكثير من النواحي الحياتية للأفراد وأصبح رافداً من الروافد الأساسية التي تمد الأفراد بالمعلومات والأخبار بالصوت والصورة والنص المكتوب في آن واحد ، السؤال هنا هل نحن كعالم عربي مستعدون لمواكبة ومسايرة هذه القفزات التكنولوجية السريعة ؟ وإن كنا قادرين علي ذلك فكيف يمكننا تنفيذ ذلك بشكل يخدم آمالنا في التطلع نحو عالم عربي متطور ومحاكي للنظام العالمي الجديد.
وإنطلاقاً من هذا التساؤل فقد عزمت هيئة الملتقي الإعلامي العربي على أن تكون قضية التكنولوجيا وارتباط إعلامنا العربي بها هي الشعار الذي سوف ترفعه الدورة السابعة من أعمال الملتقي الإعلامي العربي الذي يقام خلال الفترة من 25 حتي 27 أبريل 2010 تحت رعاية سمو الشيخ ناصر ألمحمد الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء ، نظراً لأهمية هذه القضية وكونها الآن واقعاً يجب التعامل معه بصورة تمكننا من القفز بإعلامنا العربي نحو الأفضل والخروج به من طور الإعلام التقليدي العادي إلي مرحلة النمو التكنولوجي ، وكذلك فإن هذه القضية تمثل تحدياً جديداً للمؤسسة الإعلامية العربية ككل من حيث إثبات قدرتنا علي التطوير والتحديث، والعالم العربي مليء بالكوادر الذي تجعل من هذا التحدي قابلاً للزوال.