• صناعة
الصّورة في العالم العربي.
صناعة الصّورة من المسائل التي تمت مناقشتها في المؤلف
المشار إليه، ضمن
محور الصناعات الإعلاميّة في البلدان العربيّة. فهذه الصّناعات،
بقدر ما تشهد
تناميا بارزا في البلدان المصنّعة، تناميا يسهم في اتساع رقعة الثقافات الغربيّة، فإنّها في
العالم العربي لا تزال ترزح تحت قيود عديدة: أكثر من 35% من البرامج التي يتمّ بثها
في أغلب القنوات العربيّة الرّسميّة مستوردة ومدبلجة، ولهذا الوضع أسبابه، من
ذلك :
- هيمنة الدّولة على القطاع، الذي يترتّب عنه ضبط كلّي
لطبيعة الإنتاج الذي يأخذ في الاعتبار ما يعرف بالأهداف السّامية للدّولة.
- ظهور ما نسمّيه بـ : " المبدع " المؤسّسي
الحكومي الذي حلّ محلّ المبدع الحقيقي في مستوى التلفزيون بالخصوص. و قد أدّى ذلك
إلى اندثار مقاييس الإبداع .
- استمرار القطيعة بين البحث العلمي و الإنتاج الإعلامي.
فالبحث العلمي في
أغلب البلدان العربيّة لا يتجاوز أسوار الجامعات و مراكز التوثيق و
البحث، و لا
يمثّل مرجعا أساسيّا يستند إليه في استشراف المستقبل و في وضع الخطط الاتصالية و الإعلاميّة (إن
كانت هنالك خطط دقيقة و على مدى طويل بطبيعة الحال).
لا يخدم هذا الواقع وضع التلفزيون في البلدان العربيّة،
كما لا يخدم الثّقافات المحليّة التي تراجع نموّها. فالثقافة نظام ديناميّ ينبغي تطويره، لا عبر الإنتاج فحسب،
بل باحتلال الأنظمة الرّقمية و شبكات
الاتصال لمنحها فرص الإشعاع، فالمضمون البعيد على آليات البث والنشر
لا معنى له و لا
يمكن أن يتحوّل إلى قوّة فاعلة في المحيط الاجتماعي، ، لذلك نرى أنّه من الضّروري عند النّظر إلى التلفزيون
الجديد التفكير في السّياق الثّقافي الذي يحتضنه لكي لا يتحوّل الوسيط إلى مجرّد أداة ناقلة، منفصلة عن روحها الاجتماعيّة، كما
إنّه من الضّروري عند التفكير في المسألة الثقافيّة، النّظر إليها على أنّها جزء لا يتجزّأ
ممّا يسمّيه ماكلوهان بالحتميّة التكنولوجيّة..
أنّ الأخطار المحدقة بالثقافات المحليّة و بالسّياسات
الإعلامية القوميّة
أو الإقليمية لا تنحدر من السّماء، و لا يصحّ التسليم بأنّ الأقمار الصناعية هي السّبب المباشر
لما يحدث من تراجع في نموّ الثقافات المحليّة. إنّ المشكل الأساسي كامن في الأرض.
فالأقمار الصّناعية تقوم بدورالوسيط لنقل المضامين و لا يجوز اعتبارها وسائط "
غازية ". فالقضية الجوهريّة هي
بالأساس قضيّة إنتاج وقضيّة مضمون : أيّ إنتاج يخدم اليوم الثقافة المحليّة و حركة التغيّر
الاجتماعي، و أيّ مضمون يشدّ اهتمام المشاهد العربي ؟
• ضرورة إعادة النّظر في قوانين الكتابة إلى
التفزيون ؟
مسألة أخرى على غاية من الأهميّة تتمثل في التضاريس
الجديدة للمشهد
الإعلامي المتسم بتطوّر تقني لا مثيل له في تاريخ وسائل الإعلام. فالرّقميّة قد
أربكت كثيرا مجال الكتابة الصّحفيّة والإذاعيّة. وينبغي اليوم مراجعة القواعد الإعلاميّة
حتى يكون الإنتاج الإعلامي منسجما مع
الأدوات الجديدة والمجتمع الجديد. فا لصّورة الرّقميّة قد فتحت
آفاقا عريضة لـ
" استجلاء " حقيقة المكان و الزمان. و يتسنّى للفرد، عند استخدامه للنّظام الافتراضي،
تحقيق شكل من التواجد ضمن فضاءات لا وجود لها، و أزمنة خارج حدود زمنه، ويدرك بحواسّه أشياء
غير موجودة و يتعامل معها كما لو كانت موجودة.
و لقد بدأ النّظام الافتراضي في تغيير علاقة الإنسان مع
العالم و علاقته
بالمعرفة القائمة على نمط خطّي. و السبب هوّ أنّ أنظمة الميلتيميديا
أتاحت الأدوات و
الوظائف التي تجعل من عالم الخيال و التمثّلات عالما حقيقيّا فيزيائيا بكلّ أبعاده.
و أمام هذا الواقع الوسائطي الجديد، لا يجوز ، اعتبار
التلفزيون نظاما
مستقلاّ بذاته. إنّ للتلفزيون خصائص تميّزه عن وسائل الإعلام الأخرى.
هذا صحيح. و لكن
التلفزيون اليوم، هو أيضا وسيلة مندمجة مع الميكرو معلوماتية و المعلوماتية الموصلة، و ينبغي بالتالي إعادة
النظر في خصائصه بالذّات، و الاهتمام بدراسة الأبعاد المحورية التي أفضت إليها الصّورة التأليفية : بعد المكان، و
بعد الزّمن، و بعد الحركة في مفهومها الفيزيائي.
لقد بدأت تؤسّس هذه الأبعاد تقاليد جديدة في الإنتاج و
البثّ و الاستقبال. و نلاحظ أنّ جزءا كبيرا من التصوير أصبح ينجز مباشرة على
الشّاشة بالأبعاد
الثلاثة، وهذه دلالة تفيد بأنّ اختيار سلّم