بلير وحربه 'الصليبية' على صدام
رأي القدس
2011-01-21
لم يفاجئنا توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الاسبق
ومبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الاوسط، عندما كشف في شهادته
الثانية امام لجنة تشيلكوت التي تحقق في ظروف شن الحرب على العراق، انه
ناقش مع الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش تغيير النظام في العراق،
بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) مباشرة. فقد كان واضحا انه يتبنى
استراتيجية وافكار المحافظين الجدد في شن حرب صليبية على العالم الاسلامي،
ويبحث عن الذريعة اللازمة لتوفير الغطاء لهذه الحرب.
الرئيس بوش نفسه
استخدم تعبير 'الحرب الصليبية' اثناء اعداده للحرب، وتجييش الجيوش لشنها،
الامر الذي دفع مساعديه للقول بانها 'زلة لسان' وهي لم تكن كذلك قطعا.
فبلير نفسه، وفي اكثر من حديث تلفزيوني اكد ان معتقداته الدينية اثرت في
مواقفه السياسية، وبالتالي قرارات الحرب في العراق وافغانستان حسب
قناعاتنا.
الربط بين العراق واحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) كان
ربطا مفتعلا، والتقارير المفبركة في دهاليز مكاتب المحافظين الجدد حول وجود
علاقة بين الرئيس العراقي صدام حسين وتنظيم 'القاعدة' لم تعمر طويلا،
تماما مثلما لم تعمر تقارير اخرى حول شراء الرئيس العراقي السابق شحنات
يورانيوم من النيجر.
بلير بارع في الكذب وتضليل الرأي العام البريطاني
والبرلمان الذي ينطق باسمه، والدليل الابرز هو استدعاؤه من قبل اللجنة
نفسها لسؤاله عن بعض النقاط التي حاول اخفاءها في شهادته، خاصة حول علاقته
بالرئيس الامريكي السابق، وتعهده بدعم حربه في العراق حتى قبل ان يطلع
حكومته ونواب البرلمان.
هذا الرجل الذي يقيم علاقات وثيقة مع معظم
الحكومات العربية، ويتقاضى عشرات الملايين من الدولارات مقابل 'استشارات'
آخرها من الكويت، وتفرش له السلطات الليبية السجاد الاحمر، يتباهى بصداقته
الحميمة لاسرائيل، ويقدم لها النصائح حول كيفية تحسين صورتها الدموية في
العالم بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها في لبنان وقطاع غزة.
الحرب التي
شنها بلير على العراق لم تكن بسبب مكافحة الارهاب، وانما هي تطبيق لرغبات
المحافظين الجدد اصدقاء اسرائيل الخلص. فهؤلاء نشروا رسائل مفتوحة الى
الرئيس بيل كلينتون عام 1998 يطالبون فيها بتغيير النظام في العراق، وكرروا
الشيء نفسه بعد عام تقريبا، وكان من ابرز الموقعين كل من جون بولتون،
دوغلاس فيث، ريتشارد بيرل، بول وولفوفيتز واخيرا برنارد لويس.
ولذلك لم
يكن من قبيل الصدفة ان يتصل بلير هاتفيا بالرئيس بوش في كانون الاول
(ديسمبر) عام 2001، اي بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بشهرين حول
احتمالات تغيير النظام في العراق، رغم ان هذا التوجه لم يكن واردا في
السياسة البريطانية.
بلير يريد مواصلة حربه الصليبية نفسها ضد ما يسميه
التطرف الاسلامي العنيف، ويحرض في الوقت نفسه على استخدام القوة لضرب
ايران، لانها تشكل خطرا على استقرار المنطقة وأمنها وعملية السلام فيها.
النظام
العراقي لم يكن نظاما اسلاميا، بل كان نظاما علمانيا ملحدا في نظر جميع
منظمات الاعتدال والتطرف الاسلامية، ومن المفارقة ان بعض معارضيه الذين
تبناهم توني بلير وصديقه جورج بوش كانوا يتزعمون جماعات اسلامية متطرفة
تورطت في اعمال ارهابية.
مواقف بلير هذه واكاذيبه، التي ادت الى استشهاد
مئات الآلاف من العراقيين وترميل مليون ارملة، وتيتيم اربعة ملايين طفل لا
يجب ان تمر دون محاسبة، فهذا الرجل وحليفه والمحافظون الجدد ارتكبوا جرائم
حرب ويجب ان يحاكموا كمجرمي حرب، ليس لانهم تسببوا في مقتل عراقيين ابرياء
فقط، وانما لانهم تسببوا في مقتل خمسة آلاف امريكي وبضع مئات من الجنود
البريطانيين.